النجاح الإخباري - حنينان التقيا ليصنعا مشهد تجمّع الجماهير الفلسطينية في جنوب لبنان، حنين العودة إلى فلسطين، وحنين إلى قلعة الشقيف. حضروا بالآلاف من مخيماتهم، وتجمعاتهم، ومناطق انتشارهم في لبنان. احتجوا بداية عن أن كيلومترات عديدة تفصل فلسطين عن القلعة، وكانوا يتمنون أن يكون اجتماعهم عند مارون الراس، ليطلّوا على كرومهم الملاصقة. لكنهم عادوا، واستدركوا، وجاؤوا، لأنها الشقيف، ولأن نزيف الدم في غزة مستمر، والفلسطينيون لم يناموا ليلتهم بعد وهم يتابعون الأخبار الآتية من هناك. حشود كان من بينها لبنانيون كثر، ونواب يونانيون و"أصدقاء جورج عبدالله" من المتضامنين الأجانب.

تحدّث بالحشود كل من رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، والنائب أسامة سعد، وأمين سر تحالف القوى الفلسطينية ومسؤول القيادة العامة في لبنان أبو كفاح غازي. 

امتدت الحافلات لمسافة ثلاثة كيلومترات، وقدّر المنظمون أعداد الحشود بأكثر من 15 ألفاً. لم تخل كلمة من الكلمات من الإشارة إلى ما تمثّله قلعة الشقيف من نضال فلسطيني لبناني مشترك. ما زالت الذاكرة الفلسطينية تحفظ كثيراً من أسماء شهداء فلسطينيين ولبنانيين قاتلوا وقُتلوا هناك. الأطفال القادمون من مخيم شاتيلا، حتى اليوم يحلفون "برحمة علي"، بعد ثلاثين عاماً على رحيله. حفر علي أبو طوق الخنادق حول القلعة، ورفع التلال. فكتب أحد المقاتلين على جدارها "بناها بوفور، حررها صلاح الدين، وغيّر معالمها علي أبو طوق". يقول شفيق الغبرا في كتابه "حياة غير آمنة"، إن علي أبو طوق لو كان في مكان آخر لرُفع إلى مرتبة غيفارا، أو القداسة.

الحنين إلى القلعة يلتحم بصوت شباب قادمين من مخيم عين الحلوة، ينشدون بأعلى أصواتهم واحداً من أشهر أناشيد الثورة الفلسطينية: "قلعة الشقيف اللي بتشهد يا بيروت، علّي داسوا راس الحيّة/ والشجر قاتل والحجر يا بيروت، والواحد جابه دورية". يوم إنشادها في عدن للمرة الأولى عام 1983، صفق عرفات وقادة الثورة طويلاً. فمعركة الشقيف عام 82 كانت معركة بلا أسرى، قاوم الفدائيون في داخلها برشاشات خفيفة، وقُتلوا جميعاً، بعدما قتلوا من عدوّهم كثيرين. حضر بعد انتهاء العمليات شارون وبيغن لعلّهمم يكتشفون سرّ الصمود، لكنهم فوجئوا بجنود إسرائيليين يبكون أمام عدسات الكاميرا، وبقية القصة رواها التلفزيون الإسرائيلي في فيلم وثائقي عام 2013.

ردد الجمهور القسم "أقسم بالله العظيم، أن أتمسك بكل تراب فلسطين، أرض آبائي وأجدادي، وأن أتمسك بالمقاومة طريقا للتحرير والعودة، وأن أرفض التهجير والتوطين والتطبيع، وأن أدافع عن القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، والله على ما أقول شهيد".

الحشود جاءت، حسب المشاركين، لتُسمع صوتها لغزة أيضاً، فلا إدانات عربية لما يجري هناك. وما شكا الفلسطينيون منه قبل 35 عاماً في نشيدهم عن الشقيف وبيروت، صاروا يتمنون بعضاً منه اليوم "ثمانين يوم ما سمعناش يا بيروت، غير الهمة الاذاعية/ بالصوت كانوا معانا يا بيروت، والصورة ذابت بالميّة"، واليوم غاب الصوت والصورة معاً.

(المدن)