طلال عوكل - النجاح الإخباري - ربما تأخر الحراك الشعبي اللبناني، عن موعده، بالنظر لمرور سنوات على اندلاع موجات الربيع العربي، و لأن لبنان من اكثر الدول العربية جاهزيةً لأسباب داخلية او خارجية.

في الاسباب الخارجية يشكل لبنان ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية، انطلاقا من فرضيات استراتيجية الفوضى الخلاقة، بما انه ايضا ساحة صراع على السيطرة بين السعودية، التي تدعم السنة، و بين ايران التي تدعم حزب الله و حركة امل الشيعيتين.

حين تحسب استراتيجيات النفوذ، يجد لبنان نفسه في دائرة النفوذ الايراني، بسبب قوة المقاومة، التي تملك القدرة على حسم اي صراعات او تناقضات لحسابها.

ثمة من يتربص بلبنان بسبب انخراط مقاتلي حزب الله في الصراع السوري، الى جانب النظام، و له في ذلك اسهام مهم لا يمكن لاحد انكاره.

و في العوامل الخارجية ايضا، يجري الحديث دائما عن استراتيجيات و مخاوف اسرائيلية من قوة حزب الله، اذ لا يمر يوم الا و تصدر تصريحات عن مسؤولين اسرائيليين تنطوي على احتمال نشوب حرب في الشمال مع حزب الله.

اسرائيل صاحبة مصلحة اكيدة و دائمة في اشعال نيران الفتنة في لبنان، لعل ذلك ينهك حزب الله ، و يشوه صورته و يضعف قدرته على الايذاء.

في العوامل الداخلية لبنان من اكثر الدول التي يتوفر فيها قدر واسع من التنوع، بما يسمح لأي طرف خارجي لان يوظف عناصر داخلية بوسعها ان تدخل البلاد في دوامة صراعات داخلية عنيفة.

و في الاساس فان التركيبة الطائفية للنظام السياسي، تترد دائما فرصة لصراع القوى الداخلية على النفوذ، و السيطرة على المشهد السياسي اللبناني. لبنان الفقير بموارده و امكانياته الاقتصادية و المالية مضافا الى ذلك استشراء الفساد الفاضح، عاجز عن معالجة او وقف التدهور الكبير في الغلاء و ازدياد البطالة و الفقر و التهميش.

ان اللبنانيين المقيمون في لبنان، و هم تقريبا ثلث الشعب اللبناني يعيشون في الاغلب على التحويلات المالية من الخارج.

بعض المواقع الاخبارية تداولت على نحو غير رسمي قوائم برواتب الرؤساء و الوزراء و النواب، و تشير الى فساد ذو رائحة كريهة، فهؤلاء يستنزفون نسبة مهمة من مصروفات الدولة، بينما يزداد الفقراء فقرا، و تتراكم المديونيات الخارجية و فوائدها.

اذا كان من المتوقع ان يخرج الناس بهذه الكثافة متجاوزين الحدود و القيود الطائفية اثر قرار الحكومة بفرض ضرائب جديدة على المواطنين.

يبدو ان الحكومة اللبنانية تفاجأت من حجم و عمق و اتساع دائرة الحراك الشعبي، بحيث لم يعد للناس استعدادا لان يستمعوا الى اية مخططات او وعود اصلاحية.

لقد فقد الناس الثقة بالحكومة و بالتراكيب السياسية، الى الحد الذي استفز كل الطوائف بما في ذلك الجاليات اللبنانية الكبيرة في العديد من دول العالم. احزاب الحكومة اختلفت لردود افعالها، و كانت القوات اللبنانية اول الشركاء، الذين اعلنوا انسحاب الوزراء الاربعة من الحكومة.

بعض اطراف الحكومة كأنها كانت تنتظر الفرصة، للتعبير عن عدم رضاها عن موازين القوى داخل الحكومة، التي تميل حسب ادعاءاتهم لصالح حزب الله و شركائه الذين يحوزون على ثمانية عشر وزيرا من اصل ثلاثين.

سلوك الشركاء في الحكومة ازاء الحراك الشعبي، يعكس هذا التناقض حيث مارس حزب الله و حركة امل القمع ضد الحراك في بعض المناطق و محاولة التشتيت و الارباك.

في المشهد القائم بعد ان دخل الحراك اسبوعه الثاني، يبدو ان الجيش لا يستطيع الدخول على الخط من موقع الانحياز لهذا الطرف او ذاك، ذلك انه جزء من الشعب و الجزء الاكبر منه يعاني ايضا، الامر الذي يعني ان انحيازه قد يشكل عاملا في اقسامه.

المشهد اللبناني خلال الايام المنصرمة لم يظهر تأثره بعوامل خارجية، لكن ذلك لا يعني ابدا انه سيظل لبنانيا خالصا.

القوى الاقليمية و خصوصا اسرائيل تتربص بلبنان، و ستعمل على اذكاء نار الفتنة و تحويل الحراك الشعبي السلمي، الى ميدان صراع دموي و استشراء خطاب التخوين.

اللافت للنظر و يشكل ثغرة كبيرة، هو غياب القوة السياسية القادرة على قيادة الحراك، و نظم شعاراته و اهدافه ما اذا كانت في الجوهر اصلاحية، ام ثورية تصل الى مستوى الاطاحة بالنظام السياسي الطائفي.

ان غياب مثل هذه القيادة، و عدم ظهور قيادة من وسط الحراك حتى الان، معترف بها و تحظي بثقة الجمهور، ينعكس في الشعارات المرتبكة بين المطالبة باستقالة الحكومة، و اجراء انتخابات نيابية مبكرة، و بين من يدعو الى اسقاط النظام الطائفي.

لبنان عمليا دخل مرحلة قد تطول من الصراع لا احد يمكن ان يرسم حدودها و ما آلاتها.

اما الكلمة الاخيرة فإنها موجهة الى بقية الدول العربية، التي ينبغي ان تدرك ابعاد المخططات الامريكية الاسرائيلية، التي لن ترحم اي دولة او نظام فالصفحة ما تزال مفتوحة.