النجاح الإخباري - تناولت صحيفة “ذا ديلي بيست” الأمريكية، في تقرير مطول كيفية غسيل الأموال في أمريكا بطرق كثيرة ومتعددة، بدءًا من الدببة المحشوة إلى “أبراج ترامب”.

وتعد منظمة “كارتل السينالوا” أو “عصابة الخليج”، أقوى عصابة مخدرات  في المكسيك وأكثرها تعقيدًا، فهي عبارة عن مشروع إجرامي منظم يمتد عبر 24 ولاية من 32 ولاية بالمكسيك، وما يصل إلى 50 بلدًا، وعلى الرغم من امتلاك تلك المنظمة مليارات الدولارات وترسانة هائلة من الأسلحة، فإنها لا تزال تواجه مشكلة أساسية عانت منها معظم العصابات على مدار عشرات السنين، وهي كيفية “نقل الأموال”.

كابوس 

تبيع المنظمة معظم عقاقيرها في الولايات المتحدة للمدمنين ،الذين غالبًا ما يدفعون ثمن جرعات الهيروين بالعملات الصغيرة، ما يضيف نحو أكثر من 20 مليار دولار يجب نقلها إلى الحدود كل عام، الأمر الذي يشكل كابوسًا لوجستيًا، فالكيلوغرام الواحد من الكوكايين أو الهيروين يتحول عند بيعه إلى 3 كيلوغرامات من النقد.

ووفقًا للصحيفة يهرب المهربون أكوامًا من العملات في المراتب والغسالات وصناديق حبوب الأكل ،وأي شيء آخر ذي تجويف بعيدًا عن أعين حرس الحدود، ولكن الجشع يدفعهم لابتكار حلول أذكى، الأمر الذي يفسر اهتمام “كارتل السينالوا” بالملابس ودمى الدببة من الصين.

ووفقًا لإدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة، فإن السنوات الأخيرة شهدت تدفق كميات هائلة من النقد الناتجة عن مبيعات المخدرات في منطقة الأزياء بلوس آنجيليس كجزء مما يُعرف باسم “السوق السوداء لتبادل البيزو”. وهذه هي الطريقة التي يتم بها غسل الأموال في عصر التجارة الدولية الشاقة.

تستخدم هذه الشركات في كاليفورنيا عائدات المخدرات لشراء الملابس الرخيصة والأحذية بالجملة من الصين قبل أن يتم تخزين البضائع في المستودعات في لوس آنجيليس، ثم تذهب إلى المكسيك أو تُشحن إلى كولومبيا.

يبيع عملاء المنظمة في هذه الوجهات الأغراض بربح يجنيه كبار تجار المخدرات ثم يحتفظوا به كدخل شرعي.

حيل 

وفي أحد أشكال تلك الحيل، أودع عملاء المنظمة حقائب تحتوي على ما يصل إلى 100 ألف دولار في شركة “أنجيل توي” ،التي تقع في لوس آنجيليس.

وبعد ذلك أودع المديرون التنفيذيون الصينيون ودائع بقيمة أقل من 10 آلاف دولار ،في حساب مصرفي للشركة في وقت واحد، لتجنب إثارة ما هو معروف داخل البنوك بتقرير الأنشطة المشبوهة. ثم قام عملاء الشركة بإرسال أموال إلى مصنع في الصين لشراء حيوانات محشوة ودمى، ليتم شحنها بعد ذلك إلى كولومبيا، حيث ييسر طرف آخر بيعها.

إن غسيل الأموال القائم على التجارة ليس سوى تكرار آخر لمشكلة عالمية ضخمة ومتنامية، فالكميات الهائلة من عمليات غسيل الأموال التي انطلقت من قِبل عصابات روسية ومزورين تايوانيين والحكومات الفاسدة في أفريقيا وأوروبا الشرقية، والعديد من المصادر غير المشروعة، أصبحت الآن تتم بكميات هائلة في جميع أنحاء العالم.

ويقدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن ما بين 800 مليار و2 تريليون دولار من الأموال القذرة يتم غسلها بشكل سنوي.

ضحايا غسيل الأموال

هذه الجرائم ليست بلا ضحايا، حيث يشير تقرير صدر في أغسطس من قِبل “تحالف المساءلة المالية” و”الشفافية المؤسسية”، إلى أنه عندما ينجح المجرمون في دفع أموالهم إلى مؤسساتهم عن طريق غسيل الأموال ،فإن ذلك يزيد من حدة أكثر مشاكل المجتمع عمقًا. ويقول التقرير: “نرى ذلك في مجتمعاتنا، فالأفيون والميثامفيتامين وأوبئة الكوكايين المدمرة والاحتيال المالي بتعاقد حكومي وسرقة الهوية، كل هذه الأشياء من نتائج غسيل الأموال”.

ويتابع التقرير: “الأسوأ في الأمر، أنه يعرض الأفراد للخطر ومجتمعنا أيضًا ،ويهدر أموال المواطنين. فتمويل الإرهاب وانتهاك العقوبات يهددان الأمن القومي”.

بعض العملات غير المشروعة تتحرك الآن من خلال قنوات رقمية جديدة مثل العملة المُشفرة، ولكن العديد من الممارسات تمثل ببساطة “اختلافات جديدة” عن “الأساليب القديمة”.

ويُشبه “مايكل هيرنس” الوضع بكرة القدم بعد أن قضى نحو 10 سنوات في التحقيق بقضايا المخدرات كمخبر شرطة سري بجنوب فلوريدا، ويعمل الآن كمحاضر ومستشار في تكتيكات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وقال: “لقد تغيرت التكنولوجيا منذ عصر الخوذ الجلدية. وأصبح عدد المشتركين أكبر وأسرع قليلًا، ولكنه نفس السيناريو فالمبادئ التأسيسية لا تتغير أبدًا”.

مراحل غسيل الأموال

يمر غسيل الأموال بثلاث مراحل تُعرف الأولى باسم “التنسيب” (نقل المال)، وهو ما يُكلف به المهربون منذ فترة طويلة، بينما تُعد المرحلة التالية بـ”الطبقات” التي يقوم فيها الشخص باتخاذ خطوات لإبعاد المال عن ماضيه عبر توجيهه من خلال الاستثمارات أو التمويه عنه كدمى الدببة. وأخيرًا تأتي مرحلة “التكامل” أو “الدمج”، حيث تتدفق فيه العائدات الإجرامية مرة أخرى إلى الاقتصاد المشروع.

ضمن هذه الخطوات هناك احتمالات لا حدود لها. ويقول “جون كاسارا”، وهو موظف سابق في الخزانة الأمريكية، ومؤلف 3 كتب عن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب: “هناك قول بأن غسيل الأموال لا يحده سوى خيال المجرم ،وهذا صحيح فعلًا”، فإذا كنت تقوم بغسيل الأموال اليوم، قد تأخذ في الاعتبار قليلًا من هذه الخيارات:

شراء سبائك الذهب

لطالما كان وسيكون ذلك من الخيارات الأكثر شعبية، لأن الذهب يحتفظ بقيمته وتمكن إذابته.

ويقول “جون”: “يمكن أن تتغير أشكاله. كما أنه لا يحتوي على رقم تسلسلي فلا يمكن أن تتبعه”.

في أحد التحقيقات التي عمل عليها، والتي اُطلق عليها “أوبريشن ميلت داون” (عملية الذوبان)، حيث قام تجار المجوهرات بمدينة نيويورك بتسييل الذهب لتجار المخدرات الكولومبيين، ثم أعادوا تشكيلها إلى أشياء يومية مثل الأدوات، وقطع غيار السيارات. وقد تم شحن هذه العناصر التي تم رشها باللون الأسود لاستكمال التمويه إلى كولومبيا، حيث أعيد بيع الذهب نقدًا.

كازينوهات ترامب

وفقًا لتقرير مكافحة غسيل الأموال ،الذي صدر في سبتمبر من قِبل موظفي منتجع “ريفر روك كازينو” في كولومبيا البريطانية في أحد الأشهر من صيف العام 2015، فإن هؤلاء العملاء يتركون أموالًا في الكازينوهات في أوقات غير عادية، وعادة في وقت متأخر من الليل”.

وبالنظر إلى الطابع المجرد من المبادئ لهذه المشاريع عمومًا، فإنه ليس غريبًا أن المحققين كثيرًا ما يشككون في كازينوهات “دونالد ترامب“، حيث وجدت تلك الكازينوهات الكثير من القضايا الإشكالية المماثلة.

وذكرت شبكة “سي إن إن” في وقت سابق هذا العام على سبيل المثال، أن كازينو “ترامب تاج محل” في “أتلانتيك سيتي” انتهك قواعد غسيل الأموال 106 مرات في أول 18 شهرًا من مباشرة أعماله في تسعينيات القرن الماضي.

شراء بعض العقارات

وفقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ضخ خبراء غسيل الأموال النقود إلى أسواق العقارات في أماكن مثل فلوريدا وأريزونا وكاليفورنيا، لتصل قيمتها إلى 104 مليارات دولار ،بين أبريل 2014 ومارس 2015. وقد بدأ أحد المسؤولين الكنديين بإثارة الشكوك في مدينة “فانكوفر” مؤخرًا بعد تحديد المساكن ،التي تم شراؤها في حي “بوينت غراي” بـ 57.1 مليون دولار، والتي لا تبدو مشبوهة إلا عند الأخذ بعين الاعتبار أن المشترين طلبة بدون دخل.

وذُكر أن هذا المجال له أهمية كبيرة بالنسبة للمحامي المتخصص “روبرت مولر”، المكلف بالتحقيق في الروابط المحتملة لحملة ترامب مع روسيا. وقد تحدث “دونالد ترامب الابن” في العام 2008 عن العداء المالي الروسي لأعمال أسرة “ترامب”، كما أن “مركز الدستور الأمريكي للقانون والسياسة” ،وصل إلى حد الإشارة إلى أن الإمبراطورية العقارية لأسرة “ترامب” “يغذيها غسيل الأموال”.

الاستثمار داخل بلد تديره حكومة فاسدة

كانت “بنما” مشهورة بذلك في عهد “مانويل نورييغا” الذي أتاح الفرصة لأموال المخدرات الكولومبية، ولكنها مؤخرًا خرجت من “القائمة الرمادية” ،التي تحوي الدول التي تغض البصر عن عملية غسيل الأموال.

واختتمت الصحيفة بالإشارة إلى أن غسيل الأموال انتقل الآن إلى مكان آخر، على سبيل المثال إلى الصين وأجزاء من أوروبا الشرقية.

وفي سبتمبر، كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن الحكومة الآذربيجانية قامت بعملية سرية وغسيل أموال بقيمة 3 مليارات دولار من خلال كتلة من الكيانات البريطانية الغامضة.