بشار دراغمة - النجاح الإخباري - الفلسطيني لا يقدس الأشخاص، والكثيرون لا يعني لهم منصب فلان أو علان شيئا، وطالما كان الفلسطيني استثنائيا في كل شئ، فحتى تعامله مع القيادات لم يكن يوما ما على أساس من هم، وأبناء من، ولم نعشق أبو عمار لأنه رئيس بل لأنها زعيم وقائد ثورة، ولم يحترم ويقدر الفتحاوي الرئيس أبو مازن إلا لأنه واصل نهج أبو عمار بذات الثوابت، ولم يوقر الحمساوي أحمد ياسمين إلا لتاريخه وسيرته، ولم يتغزل الجبهاوي بجورج حبش إلا لأنه كان حكيما لثورة، وربما تميز الفلسطيني عن محيطه العربي بقدرته على رسم ملامح الشخصية التي يعشقها أو يكن لها الإحترام كله أو لا شىء يذكر منه، وتلك الملامح لا يرسمها إلا الفعل على الأرض غالبا.

مناسبة الحديث اليوم، تعود ارتداداتها إلى ما حدث مع رئيس الوزراء د. رامي الله ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، ومحاولة الاغتيال التي تعرضا لها الثلاثاء الماضي، الرابط بين ما تقدم من حديث ومحاولة الاغتيال هو الفعل الذي يقوم به المسؤول لجعله على قائمة اهتمامات الناس سلبا أو إيجابا.

يُحسب لرئيس الوزراء قراره الشجاع بمواصلة جدوله أو جزء منه على الأقل في قطاع غزة رغم تعرضه لمحاولة اغتيال، ويُحسب له الطريقة التي ألقى فيها كلمته خلال حفل افتتاح محطة تنقية المياه العادمة، فوصل إلى الحفل وكأن شيئا لم يكن وألقى كلمة تحترم الحاضرين وتتحدث عن المشروع الذي وصل لافتتاحه ولم يكن الحديث عن محاولة الاغتيال إلا طرفا في خاتمة الكلام، وكان حديثا احترافيا جدد فيه التأكيد على حب غزة، وبرر عدم مبيته فيها لارتباطه بمؤتمر الاونروا في روما، وربما ولو لم يتصادف مؤتمر روما مع موعد وصوله إلى غزة لقرر المبيت فيها حتى لو لم يكن ذلك على جدول أعماله مسبقا.

وربما تسلسل الأحداث يعطينا شيئا من تفسير احترام الفلسطيني لقادتهم، فلو قرر رئيس الوزراء العودة إلى رام الله بعد وقوع محاولة الاغتيال هل كنا سنشهد حجم التضامن الكبير معه، ربما كانت ستنظم وقفات واحتجاجات رفضا لمحاولة الاغتيال، لكن ما حول تلك الوقفات إلى حشود شعبية في مختلف مدن الضفة وقراها هو القرار الذي اتخذه د.الحمدالله وليس الفعل الذي كاد أن يودي بحياته.

وعندما يدرك الفلسطيني أن قيادته تسير من أجل الوطن وأبنائه وحياتهم الشخصية على ذيل الاهتمامات حتما سيجد الفلسطيني نفسه مجبرا على رفع القبعة وكتابة تدوينة في مذكرات التاريخ، بأن هذه القيادة لا تعمل من أجل ذاتها وحتى حياتها باتت رخيصة من أجل غزة التي يحاول البعض اليوم أن يذهب بها إلى مجهول مرعب.