النجاح الإخباري - منذ 16 شهرًا، يحاولُ الوسطاء إحراز تقدمٍ في المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، بما يُفضي إلى وقف للحرب على قطاع غزة وتسليم الأسرى، ووفقًا لما تناقلته وسائل الإعلام العبرية فإن ثمة توافقات مبدئية على بعض تفاصيل الصفقة بما يمنحُ شيئًا من التفاؤل الحذر لقرب التوصل إلى الإتفاق، مشيرةً إلى أن الصفقة أصبحت شبه مكتملة بنسبة 90%.
ترامب يهدد "بالجحيم"
تكثيف جهود التفاوض يأتي مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، وتولي الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" منصبه في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، وقد حذر الأخير من أن "الجحيم سوف يندلع في الشرق الأوسط" إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة بحلول موعد تنصيبه.
مبعوث الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف قال: "إن إعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة هو "الأمر الأكثر أهمية" بالنسبة لترامب قبل تنصيبه، وذكر ويتكوف أن الرئيس وجهه شخصيًا لممارسة أقصى قدر من الضغط للمضي قدمًا في الاتفاق.
وعقب زيارة ويتكوف إلى إسرائيل قادمًا من الدوحة، أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إرسال وفدٍ أمنيّ رفيع المستوى، يضم رئيس الموساد "ديفيد برنياع" ورئيس الشاباك "رونين بار"، إلى قطر لمواصلة المفاوضات.
تغيرات ملموسة ...
ويرى مدير مكتب قناة الشرق في فلسطين الصحفي محمد دراغمة، وجود تغيرات ملموسة قد تفضي إلى توقيع اتفاق يوقف الحرب، من أبرزها انخراط الإدارة الأمريكية الجديدة بفعالية في عملية التفاوض، حيث أصبح هناك ممثلون من كلتا الإدارتين (إدارة ترامب وإدارة بايدن)، يساهمون في الضغط على الأطراف المعنية للتوصل إلى حل.
ويكمل دراغمة حديثه قائلًا: "أحد العوامل البارزة التي جعلت هذه الجهود تتقدم هو التغيرات الاستراتيجية التي أدت إلى مرونة ملحوظة من قبل حركة حماس، ففي ظل التغيرات في المنطقة، مثل انخراط حزب الله الإيراني بشكل محدود، وتراجع الدعم الإيراني والنظام السوري لحزب الله، بدأت حماس في تعديل مواقفها، وهذه التغيرات ربما كانت أحد العوامل التي دفعت حماس إلى اتخاذ خطوات أكثر ليونة، ما اعتبره البعض تنازلات، في حين رآها آخرون مجرد تكتيك في ظل الظروف الراهنة"
"تزايد الخسائر والتضحيات في غزة، جعل حماس تظهر استعدادًا أكبر للقبول باتفاق جزئي"، يضيف دراغمة.
ويرى دراغمة أن الجهود المتواترة من الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب، تأتي من أجل تحقيق تقدم في ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها، مثل: النزاع في أوكرانيا والعلاقات مع الصين، وهو ما يفرض عليها ضرورة إنهاء الصراع في غزة بأسرع وقت ممكن"
ويلفت الصحفي محمد دراغمة إلى أن القضية الفلسطينية رغم أهميتها قد تكون تراجعت قليلاً في أولويات الإدارة الأمريكية الحالية مقارنة بالقضايا الكبرى مثل العلاقات مع الصين وروسيا، والملفات الاقتصادية والسياسية مع السعودية ودول أخرى في المنطقة، إذ إن إدارة بايدن تتجه نحو ترتيب أولوياتها في مجالات أخرى مثل تعزيز التعاون مع الحلفاء الاقتصاديين في الخليج، بينما تظل القضية الفلسطينية في إطار الحلول الجزئية التي قد تستغرق وقتًا أطول لتسويتها بشكل نهائي.
المسودة النهائية
وأفادت وكالة "رويترز" بأنَّ قطر التي تقوم بدور الوساطة بين إسرائيل وحركة "حماس" قد سلَّمت الجانبين مسودة "نهائية" لاتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى بهدف إنهاء الحرب في قطاع غزة.
وقال مسؤول مطلع للوكالة إن انفراجة تم التوصل إليها في الدوحة بعد منتصف الليل عقب محادثات بين قيادات المخابرات الإسرائيلية ومبعوث الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني.
تفاصيل جديدة..
ووفقاً لمسودة الاتفاق فإنَّ الصفقة ستتضمن خطة من ثلاث مراحل مترابطة، تمتد كل مرحلة منها على مدى 42 يومًا، وتشمل إجراءات تهدف إلى وقف التصعيد، وتبادل الأسرى، وإعادة إعمار القطاع.
المرحلة الأولى
- وقف متبادل للأعمال العسكرية وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المكتظة بالسكان.
- تسهيل عودة النازحين إلى منازلهم، مع إدخال مساعدات إنسانية ومواد إغاثة، وإعادة تشغيل البنية التحتية الحيوية.
- بدء عملية تبادل الأسرى، حيث تُطلق المقاومة سراح النساء والأطفال وكبار السن الإسرائيليين، مقابل إفراج "إسرائيل" عن أسرى فلسطينيين وفق قوائم متفق عليها.
المرحلة الثانية:
- الإعلان عن هدنة مستدامة، وتبادل جميع الأسرى من الجانبين، مع انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة.
المرحلة الثالثة:
- تبادل الجثامين والرفات، وبدء عملية إعادة إعمار شاملة للمنازل والبنية التحتية المدمرة، تحت إشراف دولي.
ضغوط شديدة لإبرام الصفقة ..
ويوافق الباحث السياسي راسم عبيدات التحليلات التي تشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب على غزة هذه المرة، ويبين في هذا الشأن أن ضغوطًا كبيرة تمارس على الأطراف المعنية في الصفقة، مع تواجد مستشار الرئيس الأمريكي المقبل ترامب، ستيفن ويتكوم، الذي اجتمع مع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين، بالإضافة إلى مستشار الرئيس الأمريكي الحالي، بايدن، بريت ماكغورك، الذي يواصل متابعة الملف.
وفي سياق متصل، يعتقد عبيدات أن نتنياهو بات مدركًا بأن استمرار الحرب على غزة لم يعد مجديًا من الناحية العسكرية. فقد أظهرت التقارير تراجع أداء الجنود الإسرائيليين وزيادة خسائر الجيش في ظل استمرار الحرب، ما يعزز الاعتقاد بأن الحرب أصبحت بلا أهداف واضحة. ولذلك، قد يكون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الخيار الأقل كلفة بالنسبة له، رغم المخاطر السياسية التي قد تترتب على توقيع صفقة مع حماس.
ويضيف: " تنياهو يواجه ضغوطات شديدة من خلال تصريحات عديدة، منها ما صدر عن والد أحد الأسرى الإسرائيليين، يهودا كوهن، الذي أكد استعداده للإدلاء بشهادته أمام محكمة العدل الدولية ضد الحكومة الإسرائيلية. هذه التصريحات تضاف إلى الضغط السياسي والمالي الذي يعاني منه نتنياهو في الداخل، حيث تواجه حكومته تهمًا بالفساد والفشل الأمني، خاصة بعد 7 أكتوبر 2023.
ويلفت عبيدات إلى أنَّه على الصعيد الدَّاخلي الإسرائيلي تبقى هنالك مخاوف سياسية كبيرة بالنسبة لنتنياهو، حيث يواجه معارضة حادة من بعض حلفائه في الحكومة، خاصة من قبل وزير المالية "بتسلئيل سموتريتش" ووزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير"، حيث كلاهما يعارض الصفقة بشكل قاطع، معتبرين أنها تمثل "استسلامًا" أمام حركة حماس.
وفي هذا السياق، تتردد أنباء حول محاولة نتنياهو إبعاد وزرائه المتشددين عن المفاوضات لتفادي أي تصعيد داخلي قد يؤدي إلى انهيار حكومته.
وقد تعثرت المفاوضات التي تجري بوساطة قطرية مصرية أمريكية أكثر من مرة، جراء إصرار نتنياهو على استمرار السيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة ومصر، ومعبر رفح، وعدم الإعلان عن إنهاء الحرب بشكلٍ كامل، من جانبها، تصر حركة حماس على انسحاب كامل لإسرائيل من قطاع غزة ووقف تام للحرب، بغية القبول بأي اتفاق.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، ارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 46,584 شهيدًا و 109,731 إصابة، وسط ارتكاب مئات المجازر بحق المدنيين والأطفال والنساء ونسف وتدمير المباني السكنية، ضمن مساعي إسرائيلية تهدف إلى القضاء على مقومات الحياة وسبل العيش في القطاع، وسط صمت عربي ودولي مريب.