غزة - مارلين أبوعون - النجاح الإخباري - مدينة الكرم واللهو ..هكذا تسمى قديماً ، وهي التي اشتهرت بالأراضي الزراعية الواسعة المزروعة بما لذ وطاب من الحمضيات والفواكه والخضروات ،إلى جانب شهرتها الجغرافية ..إلا أنها اشتهرت أيضاً بخصال حميدة ،التصقت بأهلها ومن يقطنون بها منذ عشرات السنين.

مدينة بيت لاهيا الفلسطينية والتي وصفت بجنة غزة ،  تقع شمال قطاع غزة على بعد حوالي 7 كم من مدينة غزة، تحدها من الشمال قرية هربيا المحتلة ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب جباليا والنزلة ومن الشرق بيت حانون.

مساحتها 24500 دونم يخضع منها لنفوذ البلدية 14374 دونم علما بأنها كانت قبل نكبة عام 1948 ثاني قرية في المساحة والأملاك بعد بلدة برير في اللواء الجنوبي من فلسطين إذ كانت تمتد أرضيها عبر قرى بيت حانون –دير سنيد –دمرة ونجد وسمسم حتى حدود برير هذا من الشرق، أما من الشمال قرية هربيا ويبلغ عدد سكانها الحالي 75000 نسمة. وتحيط البلدة الكثبان الرملية، والتي يصل ارتفاع بعضها إلى 55 متراً فوق مستوى سطح البحر. ويكثر فيها شجر الجميز الضخم.

هذه المدينة التي أصبحت تضم الكثير من المرافق ،والدوائر الحكومية بجانب أراضيها الخضراء، فقد اكتسب أهلها صفات ميزتهم عن باقي المدن الاخرى، تلك الصفات ارتبطت بهم بوقت الفرح والحزن أيضاً .

عادات جميلة حافظ عليها أهلها من الاندثار وهي عادة التوادد  والتراحم ،فتراهم ما إن يسمعوا بأن أحد ما في المدينة قد توفاه الله ،حتى يسارعون تاركين ما في أيديهم ليكونوا بجوار ذوي المتوفى ..ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد ..بل ما ان يقوم أهل الميت بدفن ميتهم ، تراهم يركضون إلى منازلهم ليأخذوا طعاماً اعدته لهم زوجاتهم ...ويحملونه على رأسهم ويذهبون إلى بيت العزاء ..ولسان حالهم يقول بأن أصحاب العزاء ليس بمقدورهم التكفل بإطعام المعزين، نحن نتكفل بإطعامهم،  ولم يقتصر هذا الطعام على وجبة واحدة ،بل ربما تجدها في الصباح تقدم الفطور قوافل فقوافل ..وفي الظهر تقدم وجبة الغداء،  وتختم المساء بوجبة العشاء ..والملفت للنظر إن هذا الطعام ليس من المطاعم الفاخرة والمحال التجارية الكبرى ..إنما هو من ثلاجة فقير أو بيت بسيط هو بأمسّ الحاجة لهذه الوجبة لكنه الإرث المحمدي الذي تربت عليه الناس يجعلها تؤثر على نفسها ولو كان بتا خصاصة، فتجمع الزعتر والزيت وحبات الزيتون والجبن وبعض البيض من حظائرها المتواضعة ليزدان في طبق واحد وتحرم نفسها منه من أجل جارتها المكلومة والمشغولة بعزائها.

 تجولت "النجاح الاخباري" في المدينة ، والتقت بعض من اهلها الطيبين ،الذين يستقبلون الضيف استقبالاً يليق بكرمهم وحبهم للآخرين ويعكس جمال قلوبهم التي جبلت على كل مايدب على هذه الأرض الطيبة .

أبو مسعد حمودة 70 عاماً قال :" بيت لاهيا لن تتغير في صفات أهلها الطيبين ،وان اختلفت كثيرا عن قديما ،ولكن هذا الاختلاف لم يصب داخل الانسان وعاداته ،وانما اقتصر على التطور في المنشئات الحيوية فقط ، بيت لاهيا كانت قديمة مليئة بالأراضي الزراعية التي تطرح الخضروات والفواكه والحمضيات بكافة أشكالها وألوانها ،هي اليوم امتلأت بالمباني والمرافق ، والاراضي الزراعية تمركزت فقط على الجهة الشمالية من المدينة ،وبالتحديد على الحدود" .

وأضاف حمودة:" كثيرة هي العادات التي جُبل عليها المواطن في بيت لاهيا ،والتي ورثناها أباً عن جد ،من ضمنها أن فرح الآخرين هو فرحي ،وحزنهم هو حزني بكل ما تعنيه الكلمات من معنى ، فالمواطن بالمدينة لايقف فقط مع قريبه في محنته بحكم صلة الدم فقط ،وانما تجده ربما يقف بجوار الغريب أكثر ،ونحن في عائلة حمودة العريقة والكبيرة، والتي تعد من أكبر العائلات في المدينة ، مازلنا الحمد لله من وجهاء المدينة ،نورث كرمنا وحبنا وتماسكنا مع بعضنا البعض لأبنائنا .

توافقه الرأي السيدة الخمسينية صالحة الرن، والتي أكدت أنها طيلة الخمسون عاماً ،التي قضتها في المدينة ،لم ترى أجمل من عادات هذه المدينة مع القريب والغريب ،وقالت :" ماإن يتبادر إلى مسامعنا أنه توفي أحد ما من العائلات في المدينة ،نقوم نحن النسوة ،بالاسراع والوقوف مع أهل الميت في لحظاتهم الأولى ،والتي تكون صعبة عليهم ،وبعد دفن ميتهم ،نذهب إلى بيوتنا ونعد الطعام ونرسله مع أولادنا وأزواجنا لأهل الميت ليأكلوا ويطعموا المعزين .

ومن العادات التي ذكرتها السيدة الرن في أوقات الفرح أيضاً يجتمع أهل المدينة في منزل أهل الفرح ،ومن اللافت في الأمر أن أهل الفرح لا يتفاجئون بالمهنئين الذين ربما لا يعرفونهم كثيراً ،وذلك لأن يقينهم بشهامة الناس ،ووقوفهم مع بعضهم في السراء والضراء، كبير جداً.

ومن المواقف الجميلة التي ذكرتها ،هي حينما تجول زفة العريس في شوارع المدينة ،يدخل العريس في كل بيت من الحي الذي يقطن به ،ويقوم أهل المنزل بتوزيع الحلوى ،وتقديم الشراب البارد للشباب والنساء الذين يزفون العريس وهم في قمة السعادة.

أهل المدينة يحملون طعام أعدوه في بيوتهم ،ويتوجهون به إلى اهل الميت.