إسطنبول - محمد داوود - النجاح الإخباري - لم يكن من العادي قبل عدة سنوات سفر الفتيات من قطاع غزة إلى بلد عربية أو أوروبية رغبة منهن في بناء مستقبلٍ أو طلب العلم أو الزواج أو حتى السياحة، لكننا اليوم وبعد الظروف التي يعيشها القطاع أصبح من الطبيعي والدارج أن تخبرنا إحداهن بوصولها إلى هذه البلد أو تلك، وتنشر لها صورةً على صفحتها عبر مواقع التواصل لتتلقى التهاني والتبريكات بسلامة الوصول، وفرحًا بتحقيق الهدف.

ربما لا يختلف اثنين على صعوبة الغربة بالنسبة للشباب في أي بلد كانت، فماذا لو تحدثنا عن الفتاة!
رغم صعوبة الأمر لكن هناك فتيات من غزة أثبتن أن ذلك لم يعد صعبًا، وأن الإرادة إذا وُجدت بجانب الحلم يكون أقرب إلى التحقيق.

في دولة تركيا ومدينة إسطنبول تحديدًا تجسّد هذا الكلام إلى واقع، حيث التقينا بعدد من الفتيات اللاتي وصلن من قطاع غزة الى تركيا لإكمال دراستهن، والبحث عن فرص ووظائف أفضل من تلك التي توفرت لهن في غزة.

الفنانة الفلسطينية التشكيلية هناء حمش، واحدة ممن جاؤوا الى مدينة إسطنبول للهروب من واقع غزه المرير، حيث عانت مراراً وتكراراً من فقدان المشاركات الدولية في المعارض الخارجية لتمثيل فلسطين بحضورها الشخصي حين كانت في غزة بسبب ظروف المعبر والحصار الذي يعيشه القطاع.

تقول هناء وقد مضى على إقامتها شهور بسيطة في اسطنبول: "الواحد بصعوبة بيبدأ يبني نفسه، خاصة في بلد مختلفة وظروف جديدة، وبصعوبة بيتأقلم خاصة مع اختلاف لغة البلد وعادات وتقاليد أهلها".

وتضيف: "حاولت أعمل أكثر من معرض في بداياتي في اسطنبول لكني فشلت بسبب اللغة، ولأني وصلت من فترة قصيرة، وأنا كفتاة فلسطينية مقيّدة بشروط في حال قررت الخروج من تركيا لبلد آخر أو المشاركة الخارجية في معارض فنية، وبالتالي الصعوبة موجودة".

لكن ذلك لم يمنع الفنانة الشابّة من تحقيق نجاحات متعددة في مجالها ومهنتها، فنجحت في إقامة معرض أسمته "الظل"، لطلاب جامعات فلسطينيين في مدينة اسطنبول من خلال "المركز الثقافي الفلسطيني التركي"، في المدينة، وقامت بعرض الصور دون إطارات نظراً لصعوبة وصولهن من غزة إلى تركيا، وخوفاً على تكسرهن من طول الطريق ومشقة السفر.
 

وكشفت هناء أنها تستعد حاليًا لتنظيم معرض فني في مدينة اسطنبول ستعرض خلاله عدد من لوحاتها وأعمالها التشكيلية التي وصلتها من غزة، موضحةً رحلة المعاناة التي وصلت فيها اللوحات، حيث طلبت من عائلتها أن يجردوا اللوحات القماشية من اطاراتها الخشبية كي توضع في حقائب السفر، وكي لا تتكسر حين وصولها إلى تركيا، بسبب صعوبة التفتيش الذي يعترض المسافرين.

وتؤكد أنها مستمرة في اقامتها في اسطنبول رغم ما يواجهها من معيقات، الأمر الذي لن يمنعها من مواصلة طريقها، فقد تولت منصب مديرة فرع فلسطين لمجلس التراث الدولي في اسطنبول، وتعمل على نشاطها الفني مجددًا فيما يخص قضيتها الفلسطينية لتؤمن لها حياة كريمة خارج قطاع غزة المحاصر.

هناء ليست وحدها التي تتميز بموهبة وخرجت من غزة، فالإعلامية إسراء الشريف التي كان تعمل مراسلة إخبارية في قناة القدس الفضائية، هي أيضًا جاءت إلى هنا بعد حصولها على منحة دراسية لإكمال دراسة الدكتوراه في الإعلام.

تقول اسراء: "منذ حصولي على المنحة التركية أدركت أنني بدأت مرحلة جديدة في حياتي غير كل المراحل، عزمت الأمر لأكمل طريقي في تحقيق هدفي سواء من خلال تعليمي أو من خلال نشاطاتي وعملي في مجال الصحافة، ومنذ تلك اللحظة، قررت أن أخرج من عملي كصحفية في المجال المحلي وأن أبحث لانطلق عبر عالم مختلف، وأتاحت لي الدراسة في تركيا أن أعيش مع جنسيات مختلفة ومتنوعة، ثم انخرطت بعد تعلمي اللغة في المؤسسات والفعاليات".

وتضيف: "بدأنا كمجموعة من الطلاب في مدينة أنقرة (مقر دراستي) عدد من الأنشطة والفعاليات الفلسطينية، لنشر قضيتنا الفلسطينية سواء من خلال مؤسسات تركية وتجمعات طلابية شبابية، ونظمنا "ديوان الوطن" الذي يجمع الطلبة الفلسطينيين في مدينة انقرة لترسيخ القضية فيهم سواء من خلال لقاءات وورش او احتفالات ومهرجانات".

وتوضح الطالبة الشريف، أنها على تواصل مع جميع الطلبة الفلسطينيين في تركيا، بهدف توحيد الجسم الطلابي في الخارج.

وتؤكد أنها لا تكتفي بالدراسة فقط، فبجوار دراستها تبحث عن فرص لمشاركات إعلامية، وقد كانت من الأعضاء المنظمين لمؤتمر تواصل 3 (فلسطين تخاطب العالم)، الذي نُظم في مدينة إسطنبول في أواخر العام الماضي، واستضاف عددَا من الإعلاميين من كل دول العالم، عدد منهم من قطاع غزة والضفة الغربية.

وتشارك الطالبة الشريف في العديد من الأنشطة لمؤسسات تركية، إضافة إلى متابعتها مع المؤسسات الإعلامية في تركيا ورغبتها في تطوير لغتها في المجال الصحفي التركي.

وتشير إلى أنها لا زلت في بداية طريقها وأنها ستكمل مشوارها التعليمي الذي لطالما حلمت به ومن ثم العمل لتأسيس مشروعها الخاص.

أما ريناد المجدلاوي التي تقيم في مدينة اسطنبول منذ 8 أشهر، فترى أن مواصلة السعي والاجتهاد هو الأساس لتحقيق حلمها، إذ تدرس الآن برنامج ماجستير العلاقات الدولية في جامعة اسطنبول، كما أنها عضو لجنة العلاقات الدولية في الاتحاد العربي الإفريقي للإعلام الرقمي.

علاوة على ذلك أطلقت مشروعها الشخصي في فبراير الماضي 2019 والذي يهدف للعمل عن بعد في عدة مجالات وتشمل: الترجمة (عربية، انجليزية، تركية وفرنسية)، كتابة المحتوى وإدارة منصات التواصل الاجتماعي، التسويق الإلكتروني، التصوير والمونتاج وكتابة التقارير الإخبارية.

وتعمل المجدلاوي كمترجمة وصانعة محتوى للعديد من الشركات عن بعد.

وتهدف المجدلاوي إلى إطلاق مشروع السلام الفلسطيني خلال أشهر الصيف في مدينة إسطنبول، كما أنها تعمل على مناقشة رسالة الماجستير التي تبحث "سبل التعاون الدولي لأجل السلام في فلسطين ودول الشرق الأوسط".

وذكرت المجدلاوي: "أن الغربة تجربة ذات حدين، على الرغم من قسوتها ومصاعبها إلا أنها تعزز شخصية الإنسان كونه يندمج مع مجتمع جديد وثقافة جديدة والعديد من التجارب، التي لا يتمتع الفلسطينيون بحق ممارستها في البلاد وبالتحديد في قطاع غزة".

واختتمت قائلةً: "من يسافر بلا هدف، سيعود بلا مستقبل" ولعل شبابنا الفلسطيني يأخذ بعين الاعتبار ضرورة رسم الأهداف ووضع الخطط اللازمة للوصول إلى ما يريد واقعاً لا خيالاً. لا يجب الاستسلام لظروف القطاع الغزي الصارمة والسعي للسفر باعتباره وسيلة هروب ومنفذ للحرية، فالأمر ليس كذلك أبداً. من يجيد تكوين صورةً واضحة عن مستقبله في وطنه، سيفعل ذلك خارجه، والعكس صحيح.

وما زال هناك العديد من الفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة ممن يرغبن في السفر إلى دول الخارج لاستكمال طريقهن في الدراسة أو العمل أو الزواج، وتحول الظروف الصعبة لمعبر رفح والعادات والتقاليد التي تسود بعض المناطق من تحقيق ذلك.