غزة - خاص - النجاح الإخباري - الشيخ حمتو: النظر إلى الأرملة واليتيم وطالب العلم في غزة أولى من العمرة وحج التطوع في ظلِّ الظروف التي يعيشها القطاع.

لا يخفى على أحدٍ الأوضاع الاقتصادية العصيبة التي يعيشها قطاع غزة، وبروز ظواهر سلبية لم يعهدها المجتمع الفلسطيني من قبل، من ارتفاع سن الزواج، والعزوف عن التعليم لعدم القدرة على تسديد الرسوم الجامعية، إلى انتشار البطالة بشكل غير مسبوق، إلى جانب التسول في الأسواق وعلى مفترقات الطرقات. الأمر الذي يفرض على المواطنين المقتدرين أخذ زمام المبادرة بالتكافل الاجتماعي كونها أقرب إلى الله من الطواف حول الكعبة للمعتمر والحج التطوعي وبناء المساجد الفارهة.

فعلى سبيل المثال، هناك نحو (3000) شخص في قطاع غزَّة ينوون أداء مناسك العمرة هذا العام، منهم نسبة كبيرة قد أدوها سابقاً، علاوة على أنَّها نافلة وليست فرضًا، فيما يتضرَّع الفقراء جوعًا، والطلبة مستقبلهم مهدَّد بالضياع لعدم قدرتهم على دفع الرسوم الدراسية، خاصة الطلبة الذين يدرسون في الجامعات العربية والأجنبية، بعد أن تقطَّعت السبل بأولياء أمورهم من تسديد رسومهم.

نحو (3000) معتمر بواقع (1000) دينار لكلِّ شخص، ما يعني أنَّ (3) مليون دينار، وهو مبلغ يمكن أن يغني آلاف المواطنين عن حاجة السؤال، وأجرها عند الله لمن ابتغى الأجر أكبر وأعظم من الطواف حول الكعبة.

عميد المعاهد الأزهرية في قطاع غزَّة الشيخ عماد حمتو، أكَّد بالأدلة وبشواهد من التاريخ الإسلامي لـ "النجاح الإخباري"، أنَّ النظر إلى اليتيم أو الأرملة أو طالب العلم أولى من العمرة، مشيرًا إلى أنَّ العلماء لديهم حاجة اسمها فريضة الوقت، بمعنى (ما هي أولى الأولويات المسلم للطاعة)، والنبي عليه السلام عندما سئل عن أي الأعمال أحب إلى الله، قال "الصلاة في وقتها"، وبالتالي إذا كانت الطاعة في وقتها يكون لها من الفوائد والغنائم ما يقدمّ على غيرها.

وأضاف، أنَّ قطاع غزَّة اليوم في ظلِّ الحصار الخانق والفقر المدقع، بحاجة ماسة لمبادرات واقعية تنقذ ما يستحق إنقاذه، رحلة العمرة يراها بعض العلماء واجبة والبعض الآخر يراها نافلة، فإنَّ هذه العبادة يقدَّم عليها غيرها كقضية "إطعام الطعام ومعالجة الفقر"، وهذا كان وجهة نظر السلف الصالح، مستشهداً بما قاله سيدنا سفيان الثوري عندما قال لرجل من جيرانه في حج تطوع: هل حججت بيت الله قبل ذلك؟، قال الرجل نعم، ثمَّ سأله كم تكلفة الحج؟ قال (300) دينار، فقال سيدنا الثوري ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ انظر عشرة بيوت من بيوت المسلمين، بيت أرملة، أو يتيم، أو طالب علم فاجعلها في واحدة من هؤلاء، وأسال الله أن يكتب الله لك مئة حجة. فقم وأنفقها فيما أمرناك. فقال الرجل إني أخشى فوات الرفقة والنفس قد انعقدت على قضية الحج. فقال سفيان الثوري إذا جمع المال من التجارة أبى الله إلا أن ينفق في هوى النفس ولا ينفق في طاعة الله. فاعتبر أنَّ العبادة في غير مكانها رغبة الهوى وليس رغبة الطاعة.

وحثَّ الشيخ حمتو المعتمرين إلى الالتفات إلى هذه المواضيع خاصة في الأزمات الاقتصادية التي تحولت إلى أزمات اجتماعية وفقر فبعض البيوت انهارت، وأصاب الانهيار الأخلاقي بعضها الآخر، وهذا غريب وبعيد عن أهل غزَّة، من الغريب على أمة مجاهدة حريصة على القيم والأخلاق أن تنهار أمام هذه المسائل.

وشدَّد على ضرورة أن ندرك جميعاً ماهيّة العبادة، فشخص يصلي بخشوع وبيت جاره يحترق، الأولى أن تنقذ جارك، ونلتفت إلى أنَّ القرآن أشار لمن "اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا"، أي أنَّ هناك ناس يتلاعبون في الدين، وتابع.. عندما تأتي لرجل وتقول له يوجد شاب فقير ونريد التبرع له لرسوم جامعية ويقول الوضع لا يسمح؛ بينما في مناسبة اجتماعية تجده ينفق آلاف الدولارات. وهذا هو التلاعب في الدين.

وأكَّد على ضرورة إدراك الخطر في المسائل لتحقيق مقاصد الشريعة التي ترى أنَّ حقيقة الدين قائمة على حماية الإنسان من الانهيار، وحماية النفس البشرية، ولذلك لا بد أن ندرك أنَّ أسرار هذه الشريعة قائمة على أنَّ الإنسان محور هذه الشريعة والمحافظة على كينونته مقدَّم على غيره في الشريعة.

وزاد عميد المعاهد الأزهرية الشيخ عماد حمتو، أنَّ الأمر لا يقتصر على العمرة والحج، فهناك الكثير من المظاهر تحتاج إلى إعادة تقييم، كقضية بناء المساجد التي تكلِّف ملايين الدولارات، قال: "هذه المسائل في ظلِّ الأزمة الحقيقية التي نعيشها، يجب أن نقف عند حدود الله، لافتاً إلى أنَّ النبي صلَّ الله عليه وسلم يقول: "اجعلوه عريشاً كعريش موسى"، بمعنى كان الأصل أنَّ المسجد مكان عبادة لا بذخوجد ليقي الناس من برد الشتاء وحرّ الصيف. ولذلك يجب أن نخضع أهواءنا ورغباتنا إلى شرع الله.

ونوَّه إلى أنَّ بعض الناس ينفقون في سبيل الله وفي نفس الوقت حريصون على الطاعة، هؤلاء يوازنون ولا بأس في ذلك.

وأشار إلى أنَّ سيدنا عبد الله بن مبارك تروى عنه قصة لطيفة، حيث كان يخرج سنة للحج وسنة للجهاد، ففي أحد الأعوام خرج للحج فوجد امرأة تجمع الميتة من القمامة وتطعمها لأولادها، فأعطاها نفقة الحج وقال حجنا هذا العام في إطعام هذه المرأة وأيتامها، واعتبر الانفاق على هذه الأرملة يقوم بمقام حجه هذا العام وإطعامها.

وأوضح أنَّ سيدنا عبد الله بن مبارك اعتبر أنَّ قضية فقه الأكبر أن يقوم في إطعام المرأة أولى من الحج التطوع. وعليه، لا بد أن نركز في هذه المسائل من خلال معرفة فقه الأولويات، وليس الفقيه الذي يعرف الخير من الشر، ولكنَّ الفقيه من يعرف خير الخيرين من شرِّ الشرين. أيّ يوازن بينهما.

وكان قد حظي منشور للصحفي منير أبو رزق على صفحته على الفيسبوك، (قبل ما تدفع ٨٠٠ أو ١٠٠٠دينار للعمرة روح تفقد جيرانك وما تعمل حالك مش عارف إنهم مش لاقين الخبز .. الطواف حول بيوت الفقراء أقرب إلى الله من الطواف حول الكعبة). بتفاعل وثناء من قبل المتابعين، وهو ما استدعى النجاح لمعرفة رأي الشرع في المسألة.

وأمام ما أوضحه عميد المعاهد الأزهرية حول أهمية أولويات التقرب إلى الله.. فهل سيتفقد الناس أحوال بعضهم للتخفيف من معاناة بعضهم البعض؟