غزة - النجاح الإخباري - قبل نحو 7 أشهر، كان اقتراب أي شخص من الحدود الشرقية لقطاع غزة مع دولة الاحتلال، يعني أنه أمام خيارين، إما سيلقى حتفه غالبًا، أو تعتقله قوات الاحتلال الإسرائيلي، وإن منحه القدر معجزة، فإنه سينجو.

ولم يكن يجرأ أحد على التوجه إلى السياج الفاصل، فذاك المكان بمثابة "منطقة عسكرية" لسكان قطاع غزة كانت شبه فارغة دائمًا، ويعمّها السكون.

وارتبطت تلك المنطقة في أذهان الفلسطينيين، بـ"الموت" أو "الاعتقال"، لذلك كانوا يتجنبون الاقتراب منها.

وعلى الجانب الآخر من الحدود، التي أعلن الاحتلال أجزاءً منها كمنطقة عسكرية، تنتشر الثكنات والأبراج العسكرية وكاميرات المراقبة . وعقب الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، عام 2005، أنشأ الاحتلال"منطقة عازلة"، على طول الحدود البرية مع القطاع، وفرض كواقع على الفلسطينيين، الذين خسروا آلاف الدونمات الزراعية الخاصة بهم بسبب تلك المنطقة.

ويحظر الاحتلال على الفلسطينيين في القطاع، دخول المنطقة المحاذية للشريط الحدودي لمسافة 300 متر، وتطلق النار أو تعتقل كل من يتواجد فيها.

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، كانت تشهد هذه الحدود بين الحين والآخر بعض المواجهات المحدودة بين شبان فلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ثم تعود لسكونها مرة أخرى. إلا أن الواقع تغير اليوم، وتحولت "المنطقة العازلة" الآن إلى وجهة لآلاف الفلسطينيين بشكل شبه يومي، وعلى مدار الساعة، ليشاركوا في مسيرات "العودة"، التي انطلقت من قطاع غزة، أواخر مارس/آذار الماضي.

صمت المكان ورهبته وخلوه من الحركة، لم يعد موجودًا مطلقًا، وحافلات النقل التي لم تعرف طريقها يومًا إلى هذه الحدود، أصبحت تتجه يوميًا إليها، لنقل الراغبين في المشاركة بالمسيرات.

ورغم خطورة المكان، إلا أن الفلسطينيين لم يعودوا يهابون الاقتراب منه، بل في كثير من الأحيان، قاموا باقتصاص أجزاء من السياج الفاصل.

وحتى الباعة المتجولون الذين لم يخطر ببالهم يومًا، بأن رزقهم سيكون بالقرب من "منطقة الموت"، أصبحوا يتواجدون هناك بشكل متكرر ومستمر".

ومنذ 30 مارس/آذار الماضي، يتجه آلاف الفلسطينيين، إلى الحدود الشرقية للقطاع، للمشاركة في فعاليات مسيرات العودة، للمطالبة بالعودة إلى أراضيهم المحتلة عام 1948، ولرفع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ نحو 12 عامًا.

ومنذ انطلاق مسيرات "العودة" السلمية، استشهد أكثر من 200 فلسطيني بينهم أكثر من 35 طفلا، وأصابت ما يزيد عن 21 ألف شخص بجروح مختلفة وبالاختناق بالغاز. ويشارك في المسيرات السلمية سيدات وفتيات وأطفال وشباب وشيوخ.

قبل مسيرات العودة على بعد نحو 300 متر مربع من السياج الفاصل، شرقي مدينة خان يونس، يقطن إياد قديح (45 عامًا) في منزله القريب من الحدود مع "إسرائيل".

ويجاور قديح في منطقة سكنه 3 عائلات فقط، تبعد كل واحدة عن الأخرى نحو 200 متر مربع، على عكس باقي المنازل داخل القطاع، التي تبعد عن بعضها نحو 5 أمتار.

ويقول قديح " قبل بدء مسيرات العودة، كانت المنطقة كأنها مهجورة، لا يوجد فيها مارة، ومن النادر مرور سيارات في المكان".

وأضاف: "بعد بدء المسيرات، أجد العديد من الأشخاص في الشارع لساعات متأخرة جدًا من الليل".

وفي السابق قبل بدء المسيرات، كان جميع أفراد عائلة قديح يلتزمون المنزل عند غروب الشمس، ولا يخروجون منه مطلقا مهما حدث، لخطورة المكان، وفق قوله.

وتابع: "قررت ذات مرة أن أقيم احتفالا عندما أنجبت صبيًا بعد 14 عامًا من الزواج، وإنجاب 4 إناث، ووجهت دعوات للعديد من أفراد العائلة والأقارب والأصدقاء".

لكن الرد جاء من معظم المدعوين، "هل تريدنا أن نموت، نعتذر عن عدم الحضور، فمنزلك في منطقة خطرة ولا نستطيع الحضور"، حسب قديح. ويقول قديح، عندما كانوا يعلمون بموعد زيارتي لمنزل عائلتي في وسط مدينة خان يونس، كانوا يأتون لزيارتي هناك، ومن النادر جدا قدومهم لمنزلي".

ويسير قديح من منطقة سكنه، التي يصفها بالمنعزلة، صباح كل يوم نحو 400 متر مربع كي يصل إلى الحافلة التي ستقلّ بناته إلى المدرسة، فهي لا تقترب من مكان سكنه.

ويمتلك الأربعيني دراجة هوائية، يقودها لمسافة كيلو متر مربع لكي يصل إلى أقرب بقالة يشتري منها احتياجاته، ومياه للشرب. ولا يمتلك قديح أي بديل عن مسكنه الذي يود مغادرته.

أما جبر أبو رجيلة، (60 عامًا)، أحد أصحاب المنازل القليلة الواقعة بالقرب من الحدود الشرقية لمدينة خان يونس، شمالي قطاع غزة، يقول إنه "لا يستطيع مغادرة المكان، فأراضيه الزراعية التي تشكل مصدر رزق له، متواجدة هناك".

ويبعد منزل أبو رجيلة عن السياج الفاصل، مسافة 450 متر مربع. ويقول: " المكان هنا غير حيوي، لا تتوفر فيه الخدمات، ولا يشهد حركة ".

ويضيف، لوكالة "الأناضول" التركية: "لا نستطيع مغادرة المنزل في المساء، فهناك الجيش الإسرائيلي شرق منزلنا، والكثير من الكلاب الضالة أيضًا، والمنطقة غير آمنة".

وإذا خرج أبو رجيلة في زيارة لأحد أو لقضاء أمر ما، فعليه العودة إلى منزله سريعًا، قبل حلول الظلام. -