محمد سعيد - النجاح الإخباري - انتشرت في الآونة الأخيرة بالضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل ظاهرة جرائم القتل على خلفيات الثأر العائلي، وتزايد في معدلات ارتكاب جريمة القتل بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وشكلت ظاهرة التعدي على الحريات العامة والعنف الداخلي، أحد أبرز مظاهر غياب سيادة القانون في بعض المناطق، وواحدة من أبرز المشكلات التي تواجه المجتمع الفلسطيني منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران من العام 1967م.  

وانحسرت ظاهرة "الثأر العائلي" على مدى السنوات الماضية من عمر السلطة الفلسطينية منذ قدومها في عام1994م، وخضعت لمتغيرات كبيرة، لكنها عاودت الظهور مرة أخرى في الآونة الأخيرة تحت أشكال مختلفة.

الخبير القانوني حنا عيسى يقول، إن "التجارب الفلسطينية منذ منتصف القرن الماضي لم تكن بهذه الطريقة، كانت هناك عمليات ثأرية لكن خفيفة جدا مقارنتها خلال الفترة الحالية، لأن العادات والتقاليد تنظم العلاقة بين العائلات الفلسطينية".

ويوضح عيسى خلال حديثه لـ"النجاح الإخباري"، أن منذ احتلال (إسرائيل) للأراضي الفلسطينية في عام 1967م حاول بشتى الطرق زرع الفتنة بين المواطنين، مضيفًا "لقد نجح إلى حد كبير عبر الاقتتال الداخلي بين العائلات الفلسطينية".

ونوه إلى أن الجرائم التي ترتكب داخل الأوساط الفلسطينية تُحل عبر الطرق العشائرية "بفنجان قهوة"، ولا يذهبون إلى القضاء بتاتًا لذلك أصبح الأخير عاجزًا للحد من قضايا القتل. 

ويرجع الخبير القانوني أن هناك أسباب إقدام بعض العائلات ارتكابها لعمليات القتل تحت ذريعة "الثأر" مثل قضايا شرف ولكن بعد البحث في الحيثيات نجد السبب الحقيقي؛ لكي لا تحصل على حقها في الوراثة، متابعًا "في الآونة الأخيرة أصبحت معظم المشاكل العائلية بالجانب المالي".

وذكر إلى أن القانون الجنائي لا يركز على عمليات الثأر بين العائلات أنفسهم، ويتابع "على سبيل المثال لا يوجد في القانون تردع العلاقة غير الشرعية بين الأم وابنها".

ويضيف "عند ارتكاب جريمة تتجه العائلات إلى الوجهاء والمخاتير لكي تُحل القضية، دون الرجوع إلى جهة قانونية، وهذا ساعد على استمرار عمليات الثأر العائلية لحتى اللحظة".

وشدد عيسى على أن أقصى عقوبة بحق مرتكب جريمة القتل هي الإعدام من الناحية القانونية؛ لكن يتدخل هنا قاعدة القضاء العشائري وتحل عبر عدة طرق، وتناسوا أن القاتل ارتكب جريمة بحق الشعب الفلسطيني قبل أن يكون بحق الجاني فقط.

ويتابع "القضاء العشائري فيها نظام "الدية المحمدية" وقيمتها 100 ألف دينار أردني، وتكون هناك مفاوضات بين الوجهاء وعائلة المقتول لتخفيض الدية حتى تصل إلى نسبة الصفر".

عقوبة الإعدام

وتعتبر بعض العائلات – وفق عيسى- أن أخذ المال دين وستردها في أقرب فرصة وذلك بعد خروج القاتل من السجن سواء بالأسلحة البيضاء أو الرشاشة.

وذكر عدة حلول من بينها توعية الناس بعواقب أخذ الثأر العائلي باليد، والتوجه إلى القانون لكي يأخذ الضعيف حقه وضمان تطبيق الحكم الصادر من القاضي بحق القاتل.

وشدد الخبير القانوني على أن التزام الفلسطينيين بالمواثيق الدولية عبر إظهار فلسطين بأنها متحضرة وترفض تطبيق حكم الإعدام، فيصدر القضاء أحكام كبيرة لا توازي أبدًا عقوبة الإعدام، لكن "هذا غير قانوني وغير شرعي".

ويستطرد قائلًا "لو طبقت عقوبة الإعدام بحق القاتل لاستطعنا منع انتشار حالات أخذ الثأر العائلي باليد".

الثأر عامل مدمر للعلاقات الاجتماعية بين العائلات والأفراد، حيث إن الطرفين المتناحرين يستمران يتربص كل منهما بالآخر، ولا يتقبل أحدهما الآخر في أي علاقة كانت، وبذلك ينهار بناء المجتمع"، وذلك ينتج مجتمعاً مفككاً.

دم المجتمع حامي

بدوره، أوضح الحاج شحادة الحسنات إن دم المجتمع الفلسطيني "حامي" باعتباره جزء من المجتمعات الشرقية، ويضيف "حتى لو ضرب الشخص ضربًا لا يؤدي إلى القتل، سيقوم الطرف الأخير بـ"سد ضربته"؛ لكي لا يتم معايرته بأن أحد الأشخاص ضربه دون ردها.

وشدد شحادة خلال حديثه لـ"النجاح الإخباري" أن عمليات قتل الثأر العائلية مرفوضة عشائريًا وعرفًا، ومخالف للشرع والفرع.

وصنف المجتمع على أنه قبلي، ويسوده مبدأ العائلة، لدلك تتدخل الحل العشائري للعائلات الفلسطينية، معظم المشاكل العائلة تحل قبل وصولها إلى القضاء أو القانون.

وذكر أن أحد حالات القتل على خلفية الثأر العائلي "أن شخصاً قتل آخر خلال انتفاضة 1987م، ولم تُحل تلك القصة بتاتًا في حينها، وبعد 20 عامًا قامت عائلة المقتول بأخذ الثأر من القاتل والشخص الذي قتل ثأراً كان نطفة في جوف أمه.

ونوه المختص في الشريعة الإسلامية إلى أن بضع قضايا القتل – للأسف- القاتل يزج في السجن فقط، بل تتطور وتصل إلى تهجير عائلة بأكملها من الحي، معتبرًا ذلك بأنه مخالف للشرع، ما دام القاتل موجود في السجن فلماذا تعاقب عائلة بأكملها نتيجة تصرف "مشين" من ابنهم.  

وأرجع مختار عشيرة الحسنات السبب الرئيسي في القتل على خلفية الثأر "جلوس القاتل في السجن لسنوات طويلة دون تطبيق حكم القصاص بعد إصداره من الجهة القضائية.

ويشدد في حال تطبيق العقوبة فورًا بعد إصدار الحكم النهائي من الجهة القضائية أو القانونية فماذا تريد عائلة القتيل سوى القصاص؟، داعياً إلى تعجيل تطبيق العقوبة مباشرة بعد إصدار الحكم من الجهة القضائية.

كما دعا إلى ضرورة التنسيق الكامل بين الجهات القانونية والقضاء والوجهاء والمخاتير لكي تُمنع عمليات الثأر العائلي باليد، ولا نتحول إلى غابة القوي يأكل الضعيف.

إرجاء تطبيق القانوني

من جانبه، قال الأخصائي الاجتماعي د. درداح الشاعر إن فكرة أخد الثأر سيئة السمعة من الناحية الأخلاقية والشرعية "فهي مرفوضة جملة وتفصيلا، فالقانون جاء لحل هذه المشكلة ابتعادًا عن القاعدة العشائرية الذي رسخ بعض العادات الفاسدة في المجتمع الفلسطيني".

واعتقد الشاعر خلال حديثه لـ"النجاح الإخباري" أن أحد العوامل المساعدة لانتشار هذه الظاهرة عدم مسارعة القانون بإقامة الحد على القاتل.

ويتابع "إرجاء القاتل لفترات طويلة داخل السجن ربما يدفع أهل القتيل إلى شعور بالمرارة وتلجأ العائلة إلى قتل أخ أو عم أو أحد أقارب القاتل كردة فعل لعدم إعدام القاتل بعد أن تثبت إدانته وإصدار الحكم النهائي بالإعدام".

وأرجع سبب استمرار ظاهرة القتل على خلفية الثأر العائلي باليد خارج إطار القانون إلى "ثقافة المجتمع"، وعدم تنفيذ القصاص من الجهات المختصة.

وأشار الأخصائي الاجتماعي إلى أن أمام أهل القتيل 3 خيارات إما أن يعفو أو يقبل بالدية أو المطالبة بالقصاص، وإذا كان الأخير مطلب العائلة فيجب على السلطة إقامة الحد حتى توأد ظاهرة الثأر العائلي.

ويتابع "يجب أن نحافظ على التماسك الاجتماعي حتى لو كان هناك رفض دولي لتنفيذ حكم القصاص بحق القاتل".

اعتقد أن تنفيذ القصاص إحياء للأرواح المسلمين، لو عرف القاتل أن مصيره القصاص بالقتل لا يجرؤ على ارتكاب مثل تكل الجرائم التي وصفها بـ"البشعة".