مصطفى الدحدوح - النجاح الإخباري - تحرص أي عروس على الظهور بأفضل صورة يوم زفافها، وتولي أدق التفاصيل اهتمامًا بالغًا ليوم العمر من اختيار البدلة وصولاً للنقش واختيار الكوافير الأكثر شهرة، وهو ما فعلته الفتاة "هناء" حينما أصرَّت على نقش الحناء على يديها وعنقها، ولم تعلم أنَّ إصرارها على ذلك سيحول يومها إلى جحيم جرّاء الحروق التي أصابتها من الاستخدام الخاطئ للحناء "التتو" من قبل مركز التجميل.

"هناء" واحدة من عشرات الفتيات اللواتي وقعن ضحية نقش الحناء التي يضاف إليها مواد بدون وصفة علمية، ما يؤدي إلى حروق بالغة ومؤذية.

الفتاة هناء، التي كانت تستعد لاستقبال صديقاتها وأقاربها بأبهى صورة، جلست حزينة في غرفتها، لا ترغب في رؤية أحد، الأمر الذي أثار تساؤلات عن سبب عدم خروجها من غرفتها، ليتفاجأ الأقارب بما حل بها.

وسردت شقيقة هناء لـ "النجاح الإخباري" ما حدث مع شقيقتها، قائلة "أصرت هناء على نقش الورود على يديها بالحناء قبل زفافها بيومين وبعض النقوش على عنقها، لتزين نفسها قبل مراسم العرس، ما دفعنا للتوجّه لأحد محال الكوافير في سوق النصيرات وسط قطاع غزة، وقامت بنقش كل ما ترغب به، وذهبت للمنزل والابتسامة على وجهها؛ إلا أنَّها لم تدم طويلاً فسرعان ما تحولت إلى صيحات وألم وصراخ بدّد ملامح الفرحة، فنقش الحناء تحوَّل علة جسدها إلى حروق متورمة وفقاعات ماء جرّاء حساسيّة شديدة لمكونات الحناء التي دمجت دون وعي بخطورتها ما حوَّل  سعادتها إلى آلام وهموم في اللحظات الأجمل من حياتها.

لم يقتصر الأمر على هناء، بل أصيبت أربعة فتيات أخريات من أقاربها بنفس المشكلة، إضافة إلى العديد من الفتيات العاشقات للنقش بالحناء المصنعة "التتو".

"مريم محمد" هي الأخرى تعرضت لحساسية في الجلد نتيجة وضع الحناء المصنعة "تتو" على يدها تقول: "قبل عيد الأضحى، جمعت صديقاتي لشراء الحناء لنتجمّل ببعض النقوش على يدنا بمناسبة العيد، ولكن سرعان ما تحولت هذه النقوش إلى هم كبير وألم، فيداي تعرضتا لحروق من الدرجة الثانية والثالثة نتيجة المواد الكيماوية المضافة على هذا الحناء، ما جعلني أشعر بالندم الكبير.

النقاشة (هـ.م) التي قامت بالنقش للفتاة هناء أنكرت لـ "موقع النجاح" بشكل قطعي أنَّها تنقش الحناء، وجراء الكشف عن حقيقة التفاصيل التي نملكها حول قضيتها اعترفت بفعلها وأنَّها تضيف بعض المواد على الحناء للحصول على أكبر قدر ممكن من الألوان التي تبحث عنها الفتيات بشكل كبير دون تواجد معايير فعلية للكميات المضافة على الحناء.

وكشفت أنَّها تضيف زيت محلبية أو مادة الحجر الأسود بهدف تثبيت الحناء، وهذا الزيت في المجمل لا ضرر منه، ولكنَّه قد يسبب التهابات للبشرة الحساسة، كما تستخدم ماء الأكسجين لخواصه الفعالة في تثبيت الألوان وهي مادة مضرة جدًا للجلد.

وتعقيباً على الموضوع، يقول الدكتور وهيب شحادة استشاري الأمراض الجلدية والعناية بالبشرة في مستشفى الشفاء الحكومي، الحديث عن مادة الحناء هي بالأساس مادة عشبية لذا لا يترتب عليها أيَّة آثار جانبية، بل وتستخدم في علاج بعض الأمراض الجلدية.

مؤخَّرًا بدأت الفتيات تهتم وتتفنَّن بتلوين الشعر، واستخدام الصبغات التي  تتسبب بتساقط الشعر، وتطور الأمر لإضافة هذه الأصباغ للحصول على اللون المطلوب، ما يعني علاج المشكلة بمشكلة أخرى.

وأوضح شحادة أنَّ الألوان علميًّا تصيب البشرة والجلد بالحساسية، وأما الأصباغ فإنَّها أكثر خطرًا كونها تحتوي على مادة أمونيا وتعرف باسم مادة  الفورمالين، هي مادة تعمل على حفظ الأصباغ، لتصيب الفتاة بحساسية الألوان وحساسية تساقط الشعر، وهذا ما نواجهه في العيادات مع تزايد أعداد الحالات التي تعرضت لمثل تلك الإشكاليات.

وتابع لقد لاحظت خلال الثلاث سنوات الأخيرة ارتفاع أعداد الإصابات باستخدام "التوتو" أو الوشم بالحناء وذلك نتيجة حقن أو رسم الحناء المصنعة، لينتج في مكان النقش التهابات مكونة بالونات مائية إضافة إلى إصابتهن بحكة شديدة، ومما يجعل الحالة تصل لمرحلة العناية المركزة للتخوف من إصابة المريض بالتسمم الدموي مما يدفع الطواقم الطبية لاستخدم كافة سبل العلاج الذي قد يصل لأشهر.

وشدَّد على انعدام عنصر الرقابة على مراكز التجميل والكوافير من قبل وزارة الصحة على جرم ممنوع دوليًّا، ولكن مصرح به في غزة، وذلك جراء ارتكاب تلك المراكز العديد من التجاوزات غير القانونية كوشم الحناء في مناطق جلدية رقيقة وحساسة، تعدُّ الأخطر والأكثر عرضه للإصابات بالالتهابات.

ولفت شحادة إلى أنَّ غياب دور الصحة في غزّة، جعل المريض لا يمتلك الوعي الكافي في سبل العلاج والتوجه للمشفى في الوهلة الأولى للإصابة وليس بعد فوات الأوان يصبح المصاب بأصعب حالاته مايزيد الأمر تعقيدًا أمام الطبيب، والملفت أنَّ الكثير من الحالات تذهب للعيادات الخاصة بديلًا عن المشفى، مما جعل إحصاء رقم حقيقي لعدد الإصابات أمرًا صعبًا، إلا أنَّ عدد الحلات في مجمع الشفا لا تقل عن (20) حالة شهريًّا.

وبيَّن أنَّ العديد من الحالات المصابة أشارت إلى مركز تجميل في محافظة خان يونس، وكون الطبيب ليس جهة تنفيذية تمَّ مخاطبة الجهات المعنية دون جدوى؛ للحدِّ من هذه الحالة التي تضع مستقبل الالاف من الفتيات على المحك، وذلك لتواجد احتمالية الإصابة بتشوهات جلدية مستدامة.

وأكَّد شحادة على أنَّ صانعي الحناء المصنعة يضيفون ماء الأكسجين لتثبيت الأصباغ، بالإضافة إلى مادة الفورمالين جاعلين من مجمل المادة مجموعة مركبات تعمل على تثبيت الألوان والأصباغ وتعمل على إصابة الجلد بالحساسية.

وأضاف: يتوجَّب على الصحة في غزّة ونقابة الأطباء تفعيل القوانين الضابطة لكلِّ مخالفة للقانون، مع تزايد أعداد مراكز التجميل التي تعمل بطرق وآليات غير علمية، ولا تعتمد على مبدأ طبية ليرتفع مؤشر التجاوزات فهذه الخلطات المضافة للحناء يقوم بها أشخاص لا وعي ولا دراية لهم بخطورتها مما يجعل المسؤولية حقيقية على الصحة.

وطالب شحادة صحة غزّة بوقفه حقيقية لضبط هذه التجاوزات النابعة من داخل مراكز التجميل ومحلات الكوافير، والعمل على محاسبة كلّ من يخالف القوانين ويتلاعب بأجساد المواطنين، ولا تنظر الوزارة للأمر من منطلق التفاهات، مبرّرة موقفها بأنّه أمر بسيط.