وكالات - رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - لم يكن الأمر كما تصوره أو توقعه، أو حتى كما تمناه الرئيس الأميركي جو بايدن، نقصد أمر إعادة تثبيت أركان النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ ثلاثة عقود، بعد أن جر روسيا، أو أجبرها على الدخول في حرب مع بلاده والناتو بالواجهة الأوكرانية، وذلك بهدف تدجين وإخضاع روسيا للمشيئة الأميركية العالمية، بحجة أنها بلد قام بغزو بلد آخر، مع أن الولايات المتحدة تغض النظر منذ أكثر من خمسة عقود على احتلال إسرائيل لأرض دولة فلسطين ولأراض عربية أخرى، ولكن روسيا لم تذعن لأرادته، بل صمدت ميدانيا، محتفظة بما حققته من مكاسب عقب اندلاع الحرب، كما صمدت في وجه العقوبات الاقتصادية، التي يبدو أنها تؤثر بالاتجاه المعاكس، أي على الجانب الأميركي والغربي عموماً، أكثر من تأثيرها السلبي على روسيا.
والحقيقة أن روسيا، بدأت تظهر علامات أو أشارت التعافي من نتائج انهيار المنظومة الشيوعية، وتفكك الاتحاد السوفياتي، في عهد فلاديمير بوتين، وبالتحديد منذ نحو عقد من الزمان، وبعد أن دفعت جورجيا لداخل حدودها، وبعد أن طردت أوكرانيا من القرم، بدأت تستعيد نفوذ الاتحاد السوفياتي الكوني، حين دخلت على خط الصراع الدولي في سورية، ونجحت في الحفاظ على نظام الأسد، في حربه التي شارك حلفاء أميركا والغرب الإقليميون فيها ضده، وهكذا ظهرت روسيا كلاعب دولي أكثر ذكاء من أميركا نفسها، خاصة فيما يخص الملف السوري، حيث راهنت أميركا وتحالفت مع لاعب سوري محدود الأهمية، هو حزب سورية الديمقراطية الكردي، أي أنها اتبعت سياسة عرقية مشابهة لما فعلته من قبل في العراق، لكنها هذه المرة كانت عينها على النفط السوري الموجود في شمال شرق سورية، حيث يقيم أكرادها.
وقد كان واضحاً لعيان العالم كله، بأن هدف أميركا من حربها ضد روسيا، هو التفرغ بعد إخضاع روسيا لصراعها الكوني مع الصين، حيث يقول الخبراء الأميركيون أنفسهم بشكل صريح وواضح، بأن المنافس الحقيقي لأميركا على زعامة العالم هو الصين، وليس أي احد آخر، وذلك لأن الصين تتميز إضافة إلى حجمها البشري الهائل، بمكانة اقتصادية هائلة، وهي حاليا الاقتصاد الثاني بعد الأميركي من حيث الحجم، وتتفوق عليه بنموها، الذي سيجعل اقتصادها الأول بعد سنوات قليلة، إضافة إلى قوتها العسكرية، فهي ليست إذا كما هو حال الاقتصاد الياباني، الألماني أو الكوري الجنوبي، من حيث أن هذه الاقتصاديات هي اقتصاديات قوية لكنها دون قوة عسكرية تحميها، أما روسيا فهي إضافة إلى قوتها العسكرية العظمى، فإنها أضعف اقتصادياً من الصين وأميركا بالطبع، كما أن اقتصادها يعتمد على الثروات الطبيعية ممثلة بالنفط والغاز والحبوب.
وقد ظن بايدن أنه بنجاحه في جر أوروبا بسهولة ضمن سياسته لإعادة فرض الهيمنة السياسية الكونية، قد اقترب كثيرا من تحقيق هدفه بإعادة فرض النظام العالمي الأميركي، لكن روسيا التي وجدت نفسها "في بوز المدفع"، أو في موقع المناهض للنظام الأميركي، سرعان ما سعت إلى تفعيل علاقاتها الجيدة مع كل من تناصبه أميركا العداء، أو مع كل من لا تربطه بأميركا علاقات جيدة، مثل إيران، فنزويلا، الصين بالطبع، وهكذا وجدت نفسها تدفع للواجهة بمجموعة "بريكس"، وهي الإطار الاقتصادي الذي يجمع كلا من الصين، روسيا، الهند، البرازيل وجنوب أفريقيا.
وليس صدفة أن هذه الدول تمثل عمليا جنوب وشرق العالم الذي اعتبر تاريخيا هو النصف الفقير من العالم، المناهض تلقائيا للشمال والغرب الغني، وهكذا فإن دورة اجتماعات هذه المجموعة صارت أكثر أهمية، منذ بدء الحرب في أوكرانيا، أي سفور حالة الصراع الأميركي الروسي، على طبيعة النظام العالمي، بين طرف يريده أن يبقى على حاله، وطرف يريده تغييره أو تعديله، ليصبح أكثر عدالة، وجماعية، وليس بالضرورة متعدد الأقطاب، لكن لا تقوده دولة واحدة بمفردها، إلى أن صرنا على بعد يوم واحد فقط، من اجتماع تلك المجموعة في جنوب أفريقيا، حيث يوجد على طاولة الاجتماع 23 طلباً للانضمام إلى تلك المجموعة، وهذا يعني بأنه في حال قبول كل تلك الطلبات أو معظمها، بأن بريكس سيتحول إلى قطب عالمي، ولن يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، خاصة مع وجود الصين وروسيا، وهما في حال الخصومة الكونية مع أميركا.
ومن بين تلك الدول التي تقدمت بطلبات انضمام إلى بريكس، دول ذات وزن سياسي واقتصادي إقليمي وحتى دولي: مثل مصر، السعودية، إيران، اندونيسيا، نيجيريا، ومن بينها العديد من الدول العربية، إضافة إلى مصر والسعودية، هناك الجزائر والمغرب والإمارات، الكويت والبحرين وفلسطين، وهذا يعني بأنه مع الوقت، وفي حال تحولت بريكس فعلا إلى إطار يطالب علناً وبصريح العبارة بنظام عالمي أكثر عدالة، لا تتفرد فيه الولايات المتحدة بقيادة العالم، فإن لذلك سيكون تأثير واضح وبالغ على الشرق الأوسط، فتلك الدول التي اعتبرت تاريخيا في جيب أميركا، تتطابق مع تفاصيل سياساتها الدولية، بما في ذلك حمايتها للاحتلال الإسرائيلي، لن تبقى كذلك، بل حتى أن اتفاقيات أبراهام، قد تصبح حبراً على ورق، ذلك أن إسرائيل نفسها، ستكون حائرة بين القطب الأميركي وبين القطب الذي خرج عن طوعها.
بالمقابل فإن فلسطين ستجد سنداً دولياً، لا يكتفي بتأييد حقوقها بالقول وحسب، وعلى الأقل فإن انضمام فلسطين إلى "بريكس" سيعزز سعي الاقتصاد الفلسطيني إلى الفكاك من تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، على طريق الدولة المستقلة سياسياً واقتصادياً، تماماً هو وحال "بريكس" التي وإن كانت لم تظهر بعد صورتها السياسية، فإنها تشكل حالياً الند أو القطب الاقتصادي المقابل لمجموعة الدول الصناعية السبع، أي أميركا، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، اليابان، كندا، ايطاليا والاتحاد الأوروبي.
وبلغة الأرقام، تظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن مساهمة "بريكس" في الاقتصاد العالمي بلغت 31،5% مقابل 30،7% للدول السبع الصناعية وذلك في نهاية العام 2022، وبريكس حاليا تسيطر على 17% من حجم التجارة العالمية، فيما يبلغ تعداد دول "بريكس" حالياً 42% من عدد سكان العالم، كل ذلك والحديث عن خمس دول مؤسسة لبريكس، أما بعد انضمام 23 دولة إليها فإن الأرقام ستشير دون شك، إلى أن هذه المجموعة ستكون هي القوة الاقتصادية رقم واحد في العالم، وأنها بذلك ستعني انتقال مركز القوة الاقتصادية من الشمال والغرب إلى الجنوب والشرق.
هذا فيما يخص الجانب الاقتصادي، أما في الجانب العسكري فإن بريكس تضم 3 قوى نووية من أصل 9 دول نووية عالمية هي أميركا، بريطانيا، فرنسا، إسرائيل، وهي دول الغرب، إضافة إلى  دول بريكس وهي روسيا، الصين والهند، وبينهما كل من باكستان وكوريا الشمالية، وتضم بريكس أقوى جيوش العالم: الصين، روسيا والهند.
وبريكس شرعت في إرساء قواعد ميدانية تعزز من إطار التحالف فيما بينها، من ضمن ذلك مبادرة الحزام والطريق الصينية التي يطلق عليها طريق الحرير الجديدة، والتي تعني إنشاء بنية تحتية واسعة النطاق تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، أما روسيا فتنوي بناء الشرق الأقصى الروسي وذلك كجسر اقتصادي جديد بين روسيا وآسيا من خلال المناطق الاقتصادية الخاصة المتقدمة، فيما ركزت كل من البرازيل وجنوب أفريقيا على الزراعة.
وبهدف وضع حد لمركزية الاقتصاد الأميركي في الاقتصاد العالمي، خاصة في التبادل التجاري، اتخذ "الجنوب العالمي" إجراءات ملموسة لتوفير بدائل لنظام التجارة القائمة على الدولار، حيث اتفقت الصين والبرازيل على الانخراط في تجارة عبر الحدود باستخدام عمليتهما المحليتين، وكذلك فعلت كل من روسيا والهند.
وفي عام 2014 أطلقت دول بريكس برأسمال 50 مليار دولار بنك التنمية الجديد كبديل عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والذي قام بدعم مشاريع التنمية والبنية التحتية لأعضاء بريكس.