وكالات - صادق الشافعي - النجاح الإخباري - مسيرة الأعلام عمل استفزازي سنوي ينظم عادة من قبل الجماعات القومية والدينية المتشددة وحركات الاستيطان الصهيونية. ويقام هذا العمل للاحتفال بحدث ما يسمى توحيد شطرَي القدس الشرقية والغربية، وإعلانهم لها "العاصمة الموحدة" لكيانهم بعد حرب حزيران العام 1967.
ويقوم المشاركون من التيار الصهيوني المتدين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من المشاركين في المسيرة، بترديد الهتافات والأغاني الاستفزازية والعنصرية والشتائم. في حين أن التجار الفلسطينيين في البلدة القديمة مطالبون من قبل سلطات الاحتلال بإغلاق محلاتهم، ويتم التضييق على حركة الفلسطينيين في الدخول والخروج من المدينة.
وامتدت هذه الإجراءات المتشددة والعقابية لتطال المناطق الفلسطينية في أراضي 1948، حيث أصدرت حكومة الاحتلال عدداً من القرارات تعيق أو تمنع أي تحرك يمكن أن يقوم به أهل تلك المناطق بما في ذلك تحريم / تجريم رفع العلم الوطني الفلسطيني.
وهذا العام، تميز الاستعراض أولاً بارتفاع عدد المشاركين ومعظمهم من الشباب صغيري السن. وثانياً، أن حكومة الاحتلال رمت بثقلها في التنظيم والمشاركة، إذ شارك فيها عدد من السياسيين، إضافة إلى عدد من الوزراء أهمهم الوزير الأكثر صهيونية وتطرفاً بن غفير.
هذا التغير في الاستعراض الزائد والمتعمد، والتغير في الخلفيات والأهداف المباشرة من وراء المسيرة التي نظمتها دولة الاحتلال وحكومتها، لا يغير ولا يقلل من دور الخلفيات والأهداف التي حكمت حكومة دولة الاحتلال في الحرب الأخيرة والقريبة التي بادرت إليها ضد حركة الجهاد الإسلامي، وخرجت منها أقرب ما تكون إلى الهزيمة.
فحكومة دولة الاحتلال تستهدف أولاً تأكيد استمرار حضورها وتماسكها كحكومة، واستمرار قدراتها وفعلها في مواجهة حالة التململ والتصدع الداخلية والتظاهرات الضخمة والمستمرة لأكثر من شهرين، والرافضة للحكومة ولمواد أساسية ومركزية في برنامجها الحكومي.
والحكومة تستهدف ثانياً، الحفاظ على تماسكها كحكومة، وتماسك القوى المكونة لها والتعايش مع برامج ومتطلبات تلك القوى، رغم ما بينها من خلافات أساسها التطرف والمزايدة والعدوانية في برامج وممارسات تلك المكونات.
ولكن القدس في كل الأحوال تفرض خصوصيتها وقدسيتها ورمزيتها الدينية والوطنية، وتفرض الدفاع عنها في مواجهه أي اعتداء بكل توحد وبسالة.
وتبقى معركة الدفاع عن القدس معركة كل مسلم ومسيحي وحر، وكل كيان جامع، سواء كان دولة أو مؤسسة ومنظمة أو هيئة مجتمعية أو دولية.
ويظل الدفاع عنها واجباً دينياً ووطنياً أينما وجد. وتبقى ضرورة الدفاع عن القدس في انسجام وتوافق تامَين مع الحقائق التاريخية والدينية وحتى الإلهية التي تؤكد أن القدس هي العاصمة الأبدية والتاريخية والدينية لأهلها وناسها، الذين عمروها وانتموا إليها ودافعوا عنها ضد كل معتد أو مغتصب وضد كل عدوان منذ كان وجودها.
الحقائق المذكورة تفرض ضرورتين:
الضرورة الأولى، أن يكون النضال الوطني الفلسطيني المعني الأول والمباشر موحداً في معركة الدفاع عن القدس بكل ما يعنيه التوحد وما يفرضه وما يتطلبه: وحدة الأداة السياسية ووحدة البرنامج ووحدة القيادة ووحدة هيئاتها.
وهذه الضرورة للأسف غير موجودة، ولا آفاق واقعية لوجودها القريب، لكن ذلك لا يقلل من ضرورتها وضرورة العمل الجاد على إنجازها من قبل الكل الوطني قوى وهيئات وتنظيمات وأفراداً.
والضرورة الثانية، تحرك عربي جماعي نصرة وإسناداً للنضال الوطني الفلسطيني وبرنامجه الموحد، تتم بلورته في برامج وخطط تنفيذية جامعة وموحدة.
وهذا ما يفتح على العالمية، والقدس هي فعلاً بطبيعتها قضية عالمية بطابع ديني مفتوح على كل الأديان والمذاهب.
وأخيراً وبالنسبة لنا تبقى هذه المسيرة تعبّر عن المحاولة الخمسين تقريباً من قبل المحتلين للسيطرة والاستيلاء على القدس، وليقنعوا أنفسهم بأن المدينة لهم وأنهم يستطيعون الحياة والتجوال فيها بحرية وأمان، دون الحاجة للآلاف من رجال الشرطة لحمايتهم.
ولكن وكما عودتنا، تبقى القدس عصية على الغزاة، فهم يأتونها وهي ومهما طال الزمن تلفظهم دوماً فيذهبون، وتبقى زهرة المدائن شامخة.