وكالات - عبد الغني سلامة - النجاح الإخباري - نفّذ الشاب الفلسطيني خيري علقم عملية فدائية نوعية في القدس أدت إلى مقتل 7 إسرائيليين وإصابة عشرة آخرين، وهي العملية الأشد إيلاماً لإسرائيل منذ سنوات، وبناء عليه انعقد «الكابينيت» الإسرائيلي وقرر اتخاذ رزمة قرارات قاسية ضد الفلسطينيين، ما يعني أن المنطقة ستشهد ذروة جديدة من التصعيد، يمكن وصفه بالتصعيد الخطير جداً، ولكنه مهم جداً.. وعلى ضوء ذلك، يمكن تقدير الموقف ضمن النقاط التالية:
بعد عملية علقم، وقبل انعقاد «الكابينيت» الإسرائيلي تم تنفيذ عملية أخرى في سلوان، وكلتا العمليتين دليل على فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وعدم قدرتها على ردع الفلسطينيين.. وهما دليل إضافي على عبثية وعدمية نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على مبدأ «ما لا يمكن تحقيقه بالعنف، يمكن تحقيقه بمزيد من العنف».. ودليل على فشل نظرية كيّ الوعي الفلسطيني، والتي يمارسها الجيش منذ عشرات السنين، بهدف إخضاع وتطويع الفلسطينيين، وإرغامهم على التعايش مع الاحتلال.
وقد برهنت الأحداث أنه مع كل موجة عنف وتصعيد من قبل الإسرائيليين تأتي النتائج على عكس ما يريدون؛ ففي كل مرة تلجأ السلطات الإسرائيلية للقمع والاعتقالات وهدم البيوت تتولد ردة الفعل الفلسطينية، وهذا فعل طبيعي لشعب لا يقبل الظلم، ويرفض الاحتلال، ويمكن فهمه في إطار الفعل السياسي المقاوم والواعي والمنظم، وفي إطار ردة الفعل الإنسانية التلقائية ضد أي تهديد خارجي.
وما يحدث على أرض الواقع أنه كلما صعّدت إسرائيل من إجراءاتها القمعية تهيأت الظروف لتجدد المقاومة وتوسيع دوائرها، وكلما قتلت مقاوماً نبتَ مكانه عشرات المقاومين.. وهذا ليس كلاماً إنشائياً، أو مجرد عواطف وطنية.. هذه حقيقة موضوعية على إسرائيل إدراكها، وإلا بقيت البلاد في موجات متلاحقة من العنف والدم.
مشكلة إسرائيل الأزلية أنها تفكر وتتصرف بعقلية المحتل المتغطرس، وقد تعمقت هذه المشكلة أكثر مع صعود اليمين الصهيوني القومي والديني، فسابقاً، كان صناع القرار في الحكومات الإسرائيلية يستمعون، ولو قليلاً لمراكز الأبحاث، وما يقوله الخبراء، اليوم، اختفى العقل المفكر تماماً، ولم تعد القرارات بناء على دراسات وتفكير وتخطيط إستراتيجي؛ بل صارت فعلاً مبنياً على الأساطير التوراتية والخرافات الدينية والأطماع التوسعية ومصالح الأشخاص والأقطاب، وبنَفَس استعماري استعلائي عنصري، وأحقاد دفينة، وعمى سياسي.
إذاً، الحكومة الإسرائيلية ستعتمد الحل الأمني فقط، ولن تدخل في أي عملية سياسية، وستعمد إلى تصعيد إجراءاتها القمعية، وبالتالي فإن الأيام المقبلة ستكون صعبة جداً على الفلسطينيين، وسنشهد المزيد من الضحايا.  
لن تكون المواجهة مع الجيش وعلى الحواجز وحسب، بل ستكون أكثر مع قطعان المستوطنين، الذين ستطلق الحكومة أيديهم، وستزودهم بالسلاح، وبصلاحيات ارتكاب الجرائم دون رقيب ولا حسيب، رغم أن ذلك سيضر بسمعة إسرائيل، وسيضعضع مكانتها الدولية، وسيهز تحالفاتها، وسيضع شركاءها في موقف حرج.. والأهم أنه سيخلق ميليشيات استيطانية ستكون بمثابة الجيش الثاني، والذي سينازع الجيش الرسمي دوره، وسيمهد لميلاد دولة المستوطنين.
وهذا التصعيد من قبل الحكومة ليس الهدف منه مواجهة الفلسطينيين وحسب، بل وأيضاً مواجهة الأزمة الداخلية، فمنذ تشكيلها بهذه التركيبة المتطرفة، خرجت تظاهرات معارضة في تل أبيب بحشود كبيرة جداً، وقيمة وأهمية حراك الشارع الإسرائيلي وتعالي أصوات المعارضة لا تكمن في إمكانية إسقاط حكومة نتنياهو، فهذا وارد لأكثر من سبب، ولكن البديل لن يكون أفضل، قيمتها الحقيقية في كونها تعبيراً عن تعمّق أزمة المشروع الصهيوني، وظهور علامات التصدع في المجتمع اليهودي؛ فالمعارضة موجهة أساساً ضد توجهات اليمين للاستيلاء على القضاء والجيش، وتحويلهما إلى مؤسسات دينية، أو إخضاعها للهيمنة الدينية، وبالتالي تحويل إسرائيل إلى دكتاتورية دينية متطرفة، وهذا ضد ادعاءات الصهيونية أساساً، وضد مصالح الأغلبية السكانية.
في الجانب الفلسطيني الصورة ليست مثالية، بسبب ضعف السلطة وتدهور شعبيتها، والعقوبات المفروضة عليها، وبسبب استمرار الانقسام، وتراجع دور الفصائل.. لذا، علينا ألا ننجر وراء الخطاب العاطفي والشعبوي، وأن نتنبه للشعارات البراقة الزائفة، ولأجندات الأطراف الإقليمية.. فمثلاً، العمليات الفدائية على أهميتها في جانب الردع، وإبقاء جذوة المقاومة متقدة، والإبقاء على حضور القضية الفلسطينية في الضمير العالمي ولدى الأجيال الطالعة.. وهذه مسائل على درجة كبيرة من الأهمية.. إلا أنها لوحدها ليست الحل.  
ما هو مطلوب فلسطينياً بات معروفاً للصغير قبل الكبير، وقد تحدثتُ عنه، وتحدث عنه كثيرون، مراراً وتكراراً: تفعيل منظمة التحرير، وتجديد الشرعيات بالانتخابات، وإنهاء الانقسام، وتوحيد الخطاب السياسي والإعلامي، وإنهاء حالة الترهل التي تعاني منها التنظيمات والفصائل، والأهم تصعيد المقاومة الشعبية، وتوسيعها، وتعميمها على سائر المناطق.
وقبل ذلك إجراء مراجعة نقدية شجاعة وأمينة لكل المراحل السابقة، بما يشمل الخط السياسي القائم، والذي أوصلنا إلى هذه النهايات الحزينة والبائسة، وإعادة النظر في مفهوم المقاومة، وأساليبها؛ فقد رأينا كيف أنَّ شابين أعمارهما 21، و13 سنة بمسدسين فقط، أحدثا زلزالاً في إسرائيل، وجعلاها تقف على رجل واحدة، وأوقعا فيها خسارة معنوية فادحة، بتكلفة محدودة جداً (رغم أن كل قطرة دم فلسطينية غالية ومهمة)، في حين أنَّ عشرات آلاف الصواريخ، وعشرات الكيلومترات من الأنفاق، ومئات الخطابات الشعبوية والعاطفية أمام الحشود وعلى المنابر والشاشات وشبكات التواصل الاجتماعي.. لم توقع في إسرائيل أي خسارة حقيقية، بل بالعكس كانت تلك الأساليب تمنح إسرائيل كل المبررات والذرائع لفعل ما تريده، بخسائر فلسطينية لا يمكن تعويضها، وبجراح لا يمكن لها أن تندمل، وبهزائم سياسية منكرة.
رغم قتامة المرحلة، وصعوبتها وخطورتها، إلا أنّ ما يبشّر، ويبعث على الأمل أنَّ الأجيال الطالعة ما زالت تحمل لواء المقاومة، وما زالت تؤمن بعدالة قضيتها، وتكافح لتعويض ما أصابنا من ضعف وخواء وما جره علينا الانقسام.. فتراجع دور الفصائل جعلها تتولى حمل الأمانة بشجاعة وبسالة.. وهنا أنادي بإعادة النظر بما تسمى البطولات الفردية، والعمليات الفردية، لأنها في حقيقة الأمر ظاهرة عامة لعموم هذا الجيل، بموجات نضالية متلاحقة، يتم التعبير عنها بعمليات فدائية فردية، وبتشكيل المجموعات والكتائب المسلحة، وبتدفق الجماهير الغاضبة في الساحات، وعلى نقاط التماس.. وبالثبات والصمود الشعبي، وممارسة كافة أشكال المقاومة.  
كما ينبغي التوقف عن خطاب الثأر والانتقام؛ فالمقاومة الفلسطينية ليست ثأرية، لا لجدٍّ طَعنه مستوطن، ولا لقائد اغتالته إسرائيل. المقاومة فعل إنساني وأخلاقي وسياسي لشعب يرفض الاحتلال، ويتطلع للحرية، وعينيه على المستقبل.