وكالات - عاطف أبو سيف - النجاح الإخباري - ألقت الحرب في أوكرانيا بظلالها على الشرق الأوسط بقوة وبدأت حالة الاستقطاب واضحة في الفترة الأخيرة خاصة مع تصاعد احتمالات ظهور أزمة وقود في أوروبا والعالم مع الشتاء البارد القادم.
تجنب الكثير من الدول الاصطفاف رغم أن بعضها أعطى مواقف أكثر علانيةً من جهة الانحياز لطرف ضد آخر، ولكن مع الوقت سيكون لزاماً على الجميع التصرف وفق وجهات نظر واضحة. وحتى لو لم يكن الكثير من الدول ترغب في ذلك فإن المصالح المتغيرة وفق الحرب ستفرض عليها أن تنحاز بطريقة أو بأخرى. وكلما طال عمر الوقت كبرت كرة الثلج المتدحرجة التي ستحمل شوائب كثيرة تُلقي بها في ساحات الآخرين.
ليس أن كل دول العالم تتأثر بما يجري هناك، بل إن العلاقات المتداخلة بطريقة غير مباشرة بين الكثير من الدول وبين الدول التي ستتأثر حتماً بنقص إمدادات الغاز والقمح ستجعل التأثير غير المباشر لا يقل حدة عن التأثير المباشر.
واسترجاع بسيط لتاريخ نشوء الحروب في العالم يكشف لنا أن حادثة بسيطة أحرقت الكوكب ودمرت قارة بأكملها ودارت رحى حروبها في القارات الثلاث القديمة.
وبقدر حرص العالم على عدم اندلاع حرب كونية، وهو ما أكدنا عليه في هذه الصفحة بقدر تعرضه الإرادي واللإرادي لحالة ابتزاز من أجل اتخاذ مواقف علنية من الحرب إذ لن يعود كافياً أضعف الإيمان.
لأمرين مهمين يبدو الشرق الأوسط ساحة مرشحة للتأثر بشكل مباشر بتداعيات الحرب. الأول كونه ممراً مهام للتجارة العالمية ولربط العالم شماله بجنوبه، وثانيهما لكونه مخزون النفط والغاز المهم الذي لا غنى عنه في حالة تدهور إمداد أوروبا بهما لاحقاً. جرس الإنذار بدأ يُقرع من الآن وصارت أوروبا تخشى من قسوة البرد في حالة توقفت إمدادات الغاز.
وربما القليل من الذاكرة يفيد. فكرة أن الشرق الأوسط ممر أساس لتجارة العالم كانت سبباً رئيساً في الاستعمار الذي تعرض له لتأمين تلك الطرق لآسيا ولإفريقيا.
ومع اختلاف السياق فإن التجارة العالمية والبحث عن بدائل سيظل قائماً في حالة تدهورت الأوضاع في أوروبا.
وعليه فإن الشرق الأوسط الذي تراجعت قيمته في الفترات الأخيرة في ميزان مصالح الدول الكبرى عاد مرة أخرى للظهور كساحة تأثير وصراع على التأثير في العالم. مفتاح السر يكمن في النفط والغاز. صارت أوروبا تشعر بخطر تنامي أزمة الوقود فيها إذا ما قررت موسكو أن تعاقب الدول بطريقة أكثر وضوحاً على مواقفها. إذ لا يعقل أن تقوم أوروبا بشحن السلاح لأوكرانيا والتموين وتظل تستفيد من الغاز الروسي.
على الدول أن تدفع ثمن مواقفها. ومع اعتبار أن الدول الأخرى المصدرة للغاز والنفط بعضها قريب من موسكو فإن أوروبا في ورطة حقيقية.
وكلما طال عمر الحرب تعقدت الأزمة أكثر، إذ لا يمكن الاعتماد على الآخرين في حلها لأن أي مساعدة في هذا الجانب ستعتبر اصطفافاً لا بد أن يكون له ثمن.
الولايات المتحدة التي أخذت على عاتقها رعاية القارة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، وحين قامت بإعادة إعمارها عبر خطة «مارشال» الشهيرة بعد أن أجهزت الحرب على القارة ودولها، ترى وجوباً التدخل من أجل حماية مصالحها في القارة. فحلف الناتو الذي كانت رغبة أوكرانيا الانضمام إليه وتوريط واشنطن لكييف برفض الاشتراطات الروسية سبباً في اندلاع الحرب لا مكان له خارج أوروبا.
صحيح أن الولايات المتحدة هي القوة الأولى في الحلف، لكن الحلف عملياً هو خطوط الولايات المتحدة المتقدمة خارج أراضيها لصد أي هجوم عليها.
الأمر المرتبط بكل ذلك ربما يتعلق بالصراع التاريخي على الاستقطاب بين الولايات المتحدة وروسيا.
حليف الولايات المتحدة الأساسي في المنطقة هو إسرائيل وبعض الدول العربية الكبرى وبدرجات متفاوتة. ومع ذلك فإن مصالح الكثير من تلك الدول العربية أيضاً موجود في موسكو ولا تريد أن تنحاز بشكل علني في الصراع. بجانب أن ثمة قوى صقورية في المنطقة تعلن بشكل صارخ انحيازها لموسكو في الحرب. الشرق الأوسط ساحة صراع على الحلفاء ونقل للمعارك الجانبية في ميادينه إذا اقتضت الضرورة.
لذلك فإن زيارة الرئيس بايدن للمنطقة هي جزء من كل هذه المهام التي أعادت فرضها الحرب على أوكرانيا.
بالنسبة لموسكو فإن سورية وإيران حليفان مضمونان مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا يعني أن أي اصطفاف ضد إيران سيكون عملياً اصطفافاً ضد كل المعسكر الذي تقف معه إيران الآن. لذلك فإن بايدن تجنب في إسرائيل أن يأتي على سيرة شن الحرب على إيران حين تطرق للملف النووي الإيراني واكتفى بالضغط والبحث عن حل.
ولأنه يصعب الهروب من أزمة الشرق الأوسط الأساسية أي القضية الفلسطينية لأن ذلك سيسبب إحراجاً كبيراً لحلفاء واشنطن، فإن تفاصيل القضية الفلسطينية وجدت طريقها في البيانات الختامية.
الكرة لا تتدحرج بشكل سريع، ولكن العالم مقبل على حرب باردة جديدة سيكون كما كان سابقاً للشرق الأوسط نصيب كبير فيها. وستسعى إسرائيل إلى تعظيم مكاسبها منها من خلال الضغط باتجاه تشكيل التحالف الشرق أوسطي المناهض للقوة الإيرانية. وعلى شاكلة الناتو ووارسو فإن الأحلاف الشرق أوسطية ستتشكل، ولكن ستكون على حساب النفوذ العربي ولن تكون القوى العربية إلا حطباً في حروب الغير للأسف.
لعل هذا لا يحدث ولعل الخطأ أجمل من الصواب في هذا التحليل وأفيد، ولكن كل المؤشرات تقول إن الأزمة الأوكرانية بطريقة مختلفة ستجلب إسرائيل إلى المنطقة بطريق أسرع وأكثر منطقية.