أحمد عيسى - النجاح الإخباري - غادر الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم السبت الموافق 16/7/2022، المنطقة من بوابة مدينة جدة السعودية التي كانت المحطة الثانية له في رحلته الرئاسية للشرق الأوسط بعد لقائه قيادة مجلس التعاون الخليجي وكل من القيادة المصرية والأردنية والعراقية في قمة حملت اسم (قمة جدة للأمن والتنمية)، حيث كانت تل أبيب هي المحطة الأولى التي وصلها يوم الأربعاء الموافق 13/7/2022، توقف خلالها لبضع ساعات يوم الجمعة الموافق 15/7/2022، في مدينة بيت لحم حيث التقى مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.


وكان لافتاً مغادرة الرئيس مدينة جدة قبيل صدور البيان الختامي للقمة، ودون عقد مؤتمر صحفي مشترك مع زعماء الدول المشاركة أو حتى مع القيادة السعودية التي تستضيف القمة، الأمر الذي لا يخلو من دلالة.


في الواقع تختلف زيارة الرئيس بايدن للشرق الأوسط من حيث أهميتها عن زيارة أسلافه من الرؤساء الأمريكان، لا سيما وأنها تأتي في لحظة زمنية بلغت فيها مسيرة تحول النظام الدولي لنقطة الذروة بعد نشوب الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا التي نشبت في سياق إنهاء هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الدولي التي استمرت لأكثر من سبعة عقود أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945، ثم قيام دولة إسرائيل العام 1948 ونشأة النكبة الفلسطينية.


حيث أجبرت هذه الحرب البيت الأبيض على مراجعة إستراتيجيته تجاه الشرق الأوسط، إذ أدرك أنه وعلى الرغم من أهمية قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح التي تنادي بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لا سيما الإدارات الديمقراطية، إلا أن هذه القيم في هذه اللحظة من الزمن لا تملي على الإدارة مواقفها وإستراتيجياتها في السياسة الخارجية، إذ تتقدم عليها الطاقة ومصادرها، الأمر الذي يزيد من الأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط لا سيما منطقة الخليج العربي كونها المورد الأكبر في العالم للنفط، وثاني أكبر مستودع لإحتياطي الغاز بعد روسيا، الذي أظهرت الحرب في أوكرانيا أنه يساوي في أهميته وربما يفوق أهمية الأسلحة التقليدية.


من جهتها القوى الدولية العظمى التي لا تخفي رفضها لهيمنة واشنطن على النظام العالمي كروسيا والصين والى جانبهما إيران كقوة إقليمية رئيسية تدرك الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة التي ستشهد انعقاد قمة في طهران تضم كل من إيران وروسيا وتركيا، وفي الشأن ذاته لا يمكن لأي مراقب للتطورات المتسارعة التي تجري في المنطقة تجاهل إطلاق الأمين العام لحزب الله لمعادلة (ما بعد بعد كاريش) التي تنطوي على تهديد الحزب بالمبادرة للحرب، وليس التهديد بالرد على مبادرة إسرائيل بالحرب وذلك بعد ساعات من وصول بايدن لتل أبيب.


وفيما تدرك القوة العظمى المتصارعة على زعامة النظام الدولي أهمية الشرق الأوسط، لا يبدو أن دول الإقليم الذي يعتبر مركز العالم الإسلامي قد بلغ الدرجة التي يستثمر فيها موارده ويصبح مالكاً لدوائه وغذائه وسلاحه، ومن ثم تبوء مكانته التي يستحق في النظام الدولي، أو على الأقل إمتلاك القدرة على مساومة القوى العظمى المتنافسة على قيادة النظام العالمي في هذه اللحظة من الزمن لتحقيق مصالح شعوب المنطقة، الأمر الذي يعتبر القضية الفلسطينية حجة وقرينة لا تقبل الدحض على فشله في إدراك أهميته واستثمار موارده.


وأجادل هنا أنه قد بات واضحاً لأصغر الفلسطينيين سناً أن مخرجات زيارة بايدن للمنطقة في محطتيها الأولى والثانية لا تنطوي على ما يمكن الإعتماد عليه للقول أن النظامين العالمي والإقليمي اللذان تسعى واشنطن لصياغتهما سيرفعان الظلم الذي طال أمده عن الشعب الفلسطيني وأن الدولة الفلسطينية المستقلة وفق رؤية الشعب الفلسطيني لها قد أصبحت على الأبواب، بل على العكس من ذلك, فالفلسطينيون اليوم بقدهم وقديدهم على يقين أن القوى الغربية التي تدعي أنها تؤمن بقيم الليبرالية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها ستستتني الشعب الفلسطيني من تقرير المصير وهي تعيد صياغة العالم تماما كما فعلت في أربعينات القرن الماضي، كما أنهم, اي الفلسطينيين,على يقين أنهم أبعد ما يكون عن الدولة المستقلة الموعودة.


إذ فيما أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمته خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الأمريكي في مدينة بيت لحم "أن الدولة الفلسطينية المستقلة قد تكوم متاحة الآن، أما بعد ذلك "فلا أحد يعلم ماذا سيحدث"، إلا أن الرئيس بايدن كرر في كل محطات زيارته "أن هدف حل الدولتين بعيد المنال الآن، على الرغم من تمسكه وإيمانه به".


وتأسيساً على المسافة الشاسعة بالغة الوضوح بين الفلسطينيين والعرب من جهة وأمريكا من جهة أخرى فيما يتعلق بحق الفلسطينيين في الإستقلال وبناء الدولة، بات واجباً على الفلسطينيين الإسراع في تحديد خياراتهم، وفي هذا الشأن إقتضى التذكير بالخيارات وفترة العام التي منحها الرئيس عباس لإسرائيل والمجتمع الدولي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21/9/2021، لا سيما وأن العام قد أوشك على نهايته، وبتنا في مواجهة واضحة أيما وضوح مع الحقيقة.