وكالات - عبد الغني سلامة - النجاح الإخباري - في الأمثلة الشعبية عندما نريد أن نسأل عن نتيجة شيء ما، إذا كانت جيدة أم لا، عادة ما نطرح سؤال: قمحة أم شعيرة؟
السؤال الذي يطرح نفسه: من الأفضل: القمح، أم الشعير؟ سيجيب البعض بسرعة، القمح طبعا، فمنه نصنع الخبز والكيك.. أما الشعير فهو للبهائم.. في حين أن الشعير لا يقل أهمية، فهو أفضل وجبة للماشية التي تعطينا اللحوم، وفي سلم التفضيل الغذائي اللحوم أفضل قيمة غذائية، وأغلى ثمنا، وأشهى طعما.. وفي الحالتين، القمح والشعير ضروريان، وبنفس القدر لاستمرارية حياة الإنسان.  
وعند الحديث عن التمييز وعدم المساواة، والواسطة، نقول "خيار وفقوس"! والسؤال المطروح،: أيهما أفضل؟ ولماذا؟ ومن الذي يحدد ذلك؟ وبأي معيار؟ ، الخيار يستخدم للسَلَطة، بينما الفقوس يقدم كفاكهة موسمية، وفي بداية موسمه يكون سعره باهظا.. بينما الخيار رخيص أو متوسط الثمن، وهو متوفر على مدار السنة. وكلاهما متشابه من حيث القيمة الغذائية، والمتمثلة باحتوائهما على الألياف الضرورية لتفادي الإمساك، مع العلم أن كميات كبيرة من الفقوس تسبب المغص.. الفرق بينهما في الطعم، وهذه مسألة نسبية.
وبمناسبة الحديث عن الخيار، هل سألت نفسك لماذا نقوم بقطع طرفي الخيارة قبل تناولها؟ هل من سبب علمي وراء هذه الظاهرة الكونية؟ أما على سيرة الفقوس، فأدعوكم لزيارة قرية دير بلوط، في محافظة سلفيت، حيث ستجدون كرنفالا شعبيا مبهرا، وأشهى أنواع الفقوس، بأسعار زهيدة. وهذه دعاية غير مدفوعة الأجر.
ولكن، قبل سؤال أيهما أفضل، هل سألت نفسك كم مرة لجأت إلى "الواسطة"؟ واستفدت من مزاياها، وكم مرة انتقدتها عندما استخدمها غيرك؟ وعند الحديث عن معايير التفضيل، لو تناولنا معايير الجمال، من الذي حدد أبعاد ومقاسات الوجه والجسد؟ فصارت الفتاة النحيلة، التي قياسات وجهها وجسدها محسوبة بالمليمتر هي الأجمل، ولماذا يفضل الأكثرية الشقراوات، على السُّمر؟ أليست تلك ثقافة مستمدة من زمن العبودية؟ وما زالت متغلغلة في عقلنا الباطن!
المقصود بما سبق، ضرورة مراجعة الأمثال الشعبية، والتي تسربت إلى عقولنا، وكونت جزءا لا يستهان به من قيمنا المعرفية، وإدراك أن بعض الأسئلة غير ضرورية، أو غير منطقية، أو في غير محلها، مثل سؤال: أيهما أفضل الصيف أم الشتاء؟ حيث استقطبت الإجابتان المختلفتان عن السؤال ذاته شريحتين اجتماعيتين كبيرتين، هما حزب محبي الشتاء، وحزب محبي الصيف، ولكل منهما أطروحته ومبرراته.. وبينهما حرب داحس والغبراء.
أو سؤال: أيهما أفضل ريال مدريد، أم برشلونة؟ حيث استقطبت الإجابة حزبين كبيرين، بينهما ما صنع الحداد، ولو سألت مشجعا مدريديا عن سبب تشجيعه، سيقول لك إن لعبهم نظيف، واحترافي، وأدائهم مبهر.. ونفس الإجابات سيقولها المشجع البرشلوني.. وأيضا سؤال: أيهما أطيب وأشهى: المنسف أم المقلوبة؟ إذاً، فالمسألة نسبية، ومع ذلك لا أحد يراها كذلك.. والسؤال الأهم: طالما الأمور نسبية، والاختلافات مشروعة، وطبيعية، بل وحتمية، لماذا لا نجعل الاختلافات بيننا مسألة طبيعية، والتعايش مع المختلف هو الأصل؟ باحترام، وقبول، ودون تعصب وإقصاء؟ وبالطبع هذا لا ينطبق فقط على الأكل وكرة القدم ومين أحلى.. الأهم ما يتعلق بالاختلافات السياسية والدينية والفكرية والأيديولوجية.
أحيانا تأتي أسئلة بطريقة ملتوية ومعقدة، لدرجة الغباء، مثل سؤال: الزرافة أطول، أم النمر أسرع؟ التركيز على المقاومة الشعبية، أم التحول إلى الري بالتنقيط؟ أو طرح أسئلة مقارنة مبنية على مغالطات شائعة، مثل: مَن الأفضل: الرواية أم الشعر؟ من أهم: التلفزيون، أم الراديو؟ من أذكى: المخترع توماس أديسون، أم الممثل توم هانك؟ من أخطر: الفقر أم الأميّة؟ من الأجمل: العصفور، أم البحر؟
المشكلة هنا، أننا نحشر أنفسنا في ثنائية حدية، تحديداً بين لونين لا ثالث لهما (الأسود والأبيض)، ونقرر أن لكل شيء قيمة مطلقة وثابتة، لا تتغير، ويجب رؤيتها من نفس الزاوية! ونادراً ما نفكر بطريقة نسبية، فنؤمن أن لكل شيء قيمته وجماله وأهميته الخاصة، البحر والعصفور كلاهما جميل، الفنان والمخترع كلاهما عبقري، الراديو والتلفزيون كلاهما مهم، ولكلٍ وقته، الرواية والشعر مهمان، والمسألة خاصة بتذوق المتلقي، وذائقته الجمالية.. وليس مهما أيهما أفضل.
في السياسة نمارس المغالطة ذاتها، ولكن الفخ المنصوب هناك أخطر بكثير: أيهما أحسن: النظام، أم المعارضة؟ أميركا أم إيران؟ مع أنهم (من وجهة نظري الخاصة)  كلهم أسوأ من بعض..
ما يجب فعله؛ أن نحاول رؤية المشهد من زاوية مختلفة، أو تدوير الزوايا الحادة، أو مزج النقيضين، وتوليف تركيبة جديدة ومختلفة، أو مراجعة المسطرة التي نقيس بها، والمعايير التي نحتكم إليها، والتأكد أنها ما زالت صالحة للاستخدام.
مثلاً، يقول البعض إن المفاوضات فاشلة وجرّت علينا التنازل.. ويقول آخرون إن الصواريخ عبثية، وجرت علينا الكوارث.. هل سألنا أنفسنا: لماذا فشلنا في المزاوجة بين الخيارين؟ بحيث تُعزز المقاومة قوة المفاوض، فتمكّنه من تحسين شروطه، والتقليل من حجم الخسائر والتضحيات.
ذات مرة، كنا نجلس على شرفة في الطابق الخامس، وكانت الريح قوية، أحضر صديقنا ربطة خبز، وأفرغ الكيس من الأرغفة، فطار الكيس مع الريح.. وهنا تنفس صاحبنا الصعداء فرحاً بنجاة الخبز، قائلاً: "الحمد لله أني أخذتُ الخبز قبل أن يطير الكيس"!!
مغالطة ربط السبب بالنتيجة من ضمن عشرات المغالطات التي يتسم بها العقل البشري.. أحيانا كثيرة تكون المشكلة في طريقة تفكيرنا فقط، أو في المعايير التي نحتكم إليها.. أما المشكلة الطامة، فهي اعتقادنا الدائم أننا على صواب، وغيرنا دوما على خطأ!