موفق مطر - النجاح الإخباري - العبارة في العنوان قالها طفل سوري لاجئ وهو يرتجف من البرد في مخيم لجوء على أرض سوريا، شهد كغيره من عشرات المخيمات مآسي ومعاناة ساكنيه من شدة قساوة الطبيعة، حتى أن خبر وفاة مجموعة أطفال، عائلة تتكون من خمسة أفراد من الصقيع مرت مرور الكرام على الذين لم يعرفوا ولم يلمسوا ولم يعيشوا يوما واحدا في بيئة اللجوء بعد الحرمان من الوطن الصغير (البيت) وفقدان نعمة العزة والكرامة في الوطن الأكبر في كنف الأرض والشعب والقانون والعدل. 

منذ أيام وشعبنا الفلسطيني يضرب مثلا في الوفاء ليس انعكاسا لطهارة وصحة جذور الإنسانية في شخصية  الفلسطيني الفردية والجمعية وحسب، بل تجسيد لمعاني الانتماء للأمة العربية، التي كانت وما زالت بالنسبة للفلسطيني دائرته الاستراتيجية التي يعتمد عليها في السراء والضراء، حتى في أشد الظروف الطارئة عليها، والحملات الاستعمارية المنظمة، التي سخرت منظومة الاحتلال العنصرية الاستيطانية الإرهابية (إسرائيل) لتنفيذها، لمنع تشكيل منطقة حضارية  شرق وجنوب البحر المتوسط، وجعل دول وحكومات هذه المنطقة في حالة صراعات داخلية، وحروب وانقسامات، وتكريس إسرائيل في المنطقة –رغم كونها جسما غريبا-  لتتولى هذه المهمة، وبذات الوقت يتم التخلص من المشكلة اليهودية في أوروبا. 

اللاجئون السوريون الذين يموتون من التجمد والصقيع في الطبيعة، هم ضحايا أحزاب وفصائل وحكومات ودول وقوى إقليمية ودول كبرى، منحت الإخوان المسلمين ومشتقاتهم الجماعات الإرهابية فرصة التنكيل بالشعب السوري، والانقضاض على  الدولة، فهؤلاء المتجردون من الإنسانية، تركوا الضحايا يواجهون مصائرهم، ورموهم في غياهب الضياع، في زمن باتت فيه المواثيق والشرائع والقوانين الدولية لا تساوي مناديل الورق بالنسبة للمستثمرين بدماء الشعب السوري، فقد نجحوا بتفكيك النسيج الاجتماعي، والجدار الاقتصادي، بعد تحويل معظم مدن وقرى ومقدرات وأملاك  السوريين إلى ركام، وبعد استنبات جماعات إرهابية  أفسحوا لها صدارة المشهد، كل ذلك لتبرير  جريمتهم  التاريخية. 

تبرع الفلسطينيون بملايين الدولارات، جمعوها لتمويل حملة بناء مساكن بديلة عن الخيام المتهالكة، عندما لامست صرخات الأطفال اللاجئين السوريين ضمائرهم، وعندما أسقطت صور الأطفال الضحايا، أوراق التوت عما يسمى الدول الكبرى والحضارية، والتي ضجت بقيم العدل وحقوق الإنسان، فالفلسطينيون – بغض النظر عن انتماء المواطن  السياسي  ودوافعه - يجمعون على قدسية أواصر الأخوة  والمصير الواحد مع الأشقاء العرب،  لذلك ليس غريبا أن يبيع  البعض ذهب مهر زواجه ليتبرع به لحماية طفل سوري من الموت في براثن وحوش البشر، قبل بطش الطبيعة، مشهد ذكرنا بمشاهد تبرع السوريين بالأموال ومصاغات الذهب، حتى الشابات تبرعن بشعورهن الطويلة، وما زلت اذكر أن جديلة قد جمعت في المزاد العلني وفي حفل فني ما يزيد عن خمسة ملايين ليرة سورية في العام 1969 لصالح العمل الفدائي والكفاح الفلسطيني. 

لا نمن على مواطن من  الشعب العربي السوري، ولا يمن مواطن من الشعب العربي السوري على أي مواطن فلسطيني، عندما يقرر إثبات قناعاته وإيمانه بالمبادئ والقيم، فشعوب الأمة العربية ليست معنية بالتنظيرات السياسية، ولا بفقه المفكرين السياسيين الصادقين منهم والمخلصين أو المتفذلكين، ولا بالخصومات والشعارات الواقعية أو الجوفاء العدمية، ذلك أن هذه الشعوب تعلم وتعرف أمرا واحدا هو أنهم جميعا في مصير واحد، مستقبل واعد مزدهر وحرية واستقلال  ودول فيها عزة وكرامة وحرية وعدل ومساواة، أو في الميدان لمواجهة قوى (وثيقة كرومويل) الاستعمارية التي نشهد خططها على الأرض في فلسطين والدول العربية دون استثناء، بغض النظر عن درجات الدمار والموت ومستوى ومنسوب الصراعات الداخلية المذهبية والحزبية  الطائفية وحتى الاجتماعية.

سنبقى أوفياء لأشقائنا العرب، نعمل على رأب الصدوع في بنيان دولهم وأوطانهم بالحكمة والمبادرات السياسية  والإنسانية، فهم منا ونحن منهم، والطفل الذي قال أحب فلسطين بالأمس، سيكون غدا إذا كتبت له الحياة رجلا مدافعا عن  الحق الفلسطيني، الذي إذا انتزعناه  بوحدتنا العربية، فلن يقدر الغزاة المستعمرون والمتآمرون على  إسقاط شعوب أمتنا العربية في أوحال المآسي والمصائب والمعاناة والنكبات.