نابلس - صادق الشافعي - النجاح الإخباري - اختلاف التسمية لما يحصل في تونس: حركة تصحيحية.. انقلاب.. ثورة ... ليس هو المهم. الأهم، ان الحركة التي بادر لها وقام بها رئيس الدولة تحت عنوان التغيير، جاءت على درجة عالية من الاستجابة لحال «ضرورة التغيير» في الوضع التونسي العام. وجاءت على درجة عالية أيضا من التوافق مع الحالة الجماهيرية العامة على تنوعها وشمولها ومتطلباتها، المنسجمة مع ضرورات التغيير.
في التعاطي الموضوعي مع ما يحصل في تونس لا بد من الانتباه الى حقيقة ان المجتمع المدني فيها على درجة متميزة من النضج والشمولية، ومن غنى التجربة. وان تجارب حراكه تمتد عميقا في الزمن، وتتسع برحابة لكل قطاعات وتشكيلات المجتمع: الطبقية والمهنية والمجتمعية (دور المرأة المتميز).
ولا بد أيضا من الانتباه الى حقيقة أخرى، ان هذا النضج المجتمعي عبر عن نفسه في تشكيلات مجتمعية لعبت دورا مهما في نضاله الوطني والتحرري والاجتماعي (اتحاد الشغل واتحاد المرأة، واتحادات المحامين والشباب والطلاب .....).                                                                                                              هاتان الحقيقتان عبرتا عن نفسيهما في مسار طويل ومتميز من النضالات الوطنية والسياسية والمجتمعية والمطلبية.                                                                                       
وكان من أبرز هذه التعبيرات في السنوات العشر الأخيرة ان باكورة الربيع العربي الذي امتد الى أكثر من بلد عربي جاءت من تونس. وان الربيع في تونس كان الأطول عمرا، والأفضل لجهة شعبيته وطابعه السلمي والديمقراطي، ولجهة نتائجه المتحققة.                                                                                                                                                هذا المجتمع وبهذه الخصائص يوفر درجة عالية من الاطمئنان انه سيخرج مما هو فيه، الآن، بأفضل النتائج وأكثرها تجاوبا مع ضرورات التغيير وأكثرها إلحاحا وأساسية، وانه سيحقق ذلك بشكل سلمي وديمقراطي.  
حركة التغيير بدأها وقادها الرئيس المنتخب للدولة التونسية.
وقد استفاد في حركته من حقيقة انه أستاذ قانون دستوري. ولا شك ان ذلك ساعده على رسم خطواته وإجراءاته بشكل وطريق لا يخرج فيه عن الدستور ولا يتصادم مع بنوده.
لكن الأهم ان حركته لقيت تجاوبا عفويا، وفوريا من أهل الوطن ذوي المصلحة الأولى بالتغيير، والمطالبين به والساعين له في تجرد عن أي مصالح ذاتية او فئوية. وقد عبر الناس عن تجاوبهم بالنزول التلقائي والعفوي الى الشوارع والأماكن العامة.                                                                                                    ولا شك أيضا، ان الرئيس اعتمد في حركته على توفر قبول وتجاوب وانضباط (وربما تنسيق مسبق) من بعض أجهزة الدولة وقياداتها (العسكرية والأمنية بالذات).                                          
لكن ما تقدم لا يلغي ولا يتعارض مع حقيقة وجود مخاوف واقعية على الديمقراطية والتعددية والاستقلالية. وقد برز ذلك في مواقف بعض الأحزاب والاتحادات الوازنة مقترنا مع مناداتها الى الاتفاق على خارطة طريق، والى الحفاظ على مؤسسات الدولة الدستورية وتفعيل دورها.
طبيعي وكما هو متوقع، فإن القوى التي أوصلت البلاد الى حال «ضرورة التغيير» أعلنت وقوفها ضد حركة التغيير التي قادها الرئيس، وسارعت الى وصف الحركة بالانقلاب الفوقي. ودعت الى قيام تحركات جماهيرية ضدها، وأقرنت ذلك باتهامات للحركة وتشكيك في دوافعها وأهدافها، وفي ارتباطاتها. لكن دعوتها تلك لم تقابل من قبل الناس بالقبول والاستجابة المرجوة، وهو وهذا ما أدى، الى التراجع الواضح في حدة مواقف ومطالب تلك القوى، إضافة الى ضعف الانسجام والتوافق فيما بينها. وفي المقابل فإن الحالة الجماهيرية المؤيدة لحركة التغيير كانت أفضل في التعبير عن قبولها للحركة ومساندتها لها وعبر أشكال ونشاطات متنوعة. كما أعلنت عن موقف القبول والمساندة بشكل أكثر عمقا ووضوحا معظم (ربما كل) الاتحادات الشعبية والمنظمات الجماهيرية الأوسع تمثيلا والأنشط دورا، والأعرق خبرة.      
ان القوى التي تقف ضد حركة التغيير تشمل طيفا من القوى ومن الشخصيات (السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية والدعوية و..و..) وكلها كانت مستفيدة من الوضع الذي كان قائما. وهي بمجموعها وبممارساتها، المحكومة فقط بقانون الربح، من أوصل البلاد الى حال «ضرورة التغيير» والحركة التي قام بها رئيس الدولة.
لكن من بين هذه القوى فإن «حركة النهضة» - الاسم السياسي لحركة الإخوان المسلمين في تونس - تتميز ببرنامجها وهدفها المركزي وهو السيطرة على الدولة وحكمها بكامل مكوناتها ومؤسساتها. وأنها - حركة النهضة - هي التي شكلت المظلة لحركة القوى التي تقدم ذكرها.  
وحركة النهضة المذكورة ظلت أمينة لحقيقة كونها فرعا لحركة الإخوان المسلمين ومتمسكة بهدفها المركزي المشار إليه. وذلك على الرغم من نهج التذاكي وطول البال في تفاصيل السياسات التكتيكية التي اعتمدتها للوصول الى هدفها المركزي وميزت بها نفسها عن تجارب فروع الحركة في البلاد الأخرى.                                                                                                                      لكن هامش نهج التذاكي وطول البال قد ضاق كثيرا مع تطور الأوضاع العامة في البلاد ووصولها الى درجة «ضرورة التغيير». ووصل نهج التذاكي الى نهايته مع حركة التغيير التي قام بها رئيس الدولة، ما دفع بحركة النهضة الى كشف أوراقها الحقيقية ووضعت نفسها في موقع الصدام مع حركة التغيير والتصدي لها ولرئيس الدولة ومن يؤيد حركته.                                                                                                      فعلت ذلك وهي ليس في أفضل حالاتها، إذ يدور جدل سلبي عنها وعن دورها، مترافقا مع حديث متعال عن خلافات في هيئاتها وبعض رموزها القيادية.
يبدو من تطور الأمور والمواقف ان لا مجال الى عودة الأوضاع في تونس الى حال «ضرورة التغيير» التي كانت قائمة وتوازناتها، وأنها تسير بثقة نحو الاتفاق الوطني على قواعد وإجراءات وترتيبات الخروج من ذلك الحال الى آفاق واعدة بتطور تونس وتقدمها ووحدة أهلها وقواها ومؤسساتها.