طلال عوكل - النجاح الإخباري - عبثاً يمكن لأي إنسان عاقل، أو مسؤول رسمي أو غير رسمي أن يراهن وفي أي وقت على أن تكون إسرائيل غيرها، بما أنها تعرف عن نفسها بالقانون وبالممارسة على أنها دولة احتلال عنصري توسعي ترتكب جرائم بحق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتمارس الإرهاب، وعبثاً يمكن المراهنة على عدالة القضاء الإسرائيلي بما أنه منتج صهيوني، مهمته الدفاع عن الدولة، ومساعدتها على التهرب من المساءلة والعقاب. ثمة توثيق جيد، وحرفي، لدور القضاء الإسرائيلي، إزاء التحقيق بشأن ما تقدمه منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية، دون أي نتيجة، ما يجعل هذه المؤسسة موضع اتهام بالعجز أو التواطؤ مع سياسات وممارسات الاحتلال.
ميزان العدالة مكسور في إسرائيل لا يعمل إلا لصالح اليهود، ونحو تعميق العنصرية ضد الفلسطينيين حتى في أراضي العام 1948، ولدى منظمات حقوق الإنسان توثيق دقيق، لنماذج كثيرة لتسهيل هروب اليهودي من العقاب، وإنزال أشده بالفلسطيني حتى حين يكون صاحب حق. الملفات طافحة بالقضايا العامة والخاصة، التي تم وضعها على طاولة المحققين في المحكمة الجنائية الدولية التي يفترض منها التحرك بسرعة لإجراء التحقيقات، حتى لو أن إسرائيل ترفض ذلك، وترفض التعاون، ما يجعلها بكل أجهزتها السياسية والقضائية والعسكرية والأمنية في موقع الاتهام بارتكاب جرائم حرب.
الولايات المتحدة، والدول الرأسمالية الاستعمارية، لا تزال تؤمّن الحماية لإسرائيل، ما يجعلها شريكة في الجريمة أمام التاريخ وأمام المجتمع الدولي، ولذلك لم يكن غريباً أن تصوت كالعادة ضد أي قرار من قبل أي مؤسسة دولية، يستهدف مساءلة الاحتلال وتحقيق العدالة.
خمسون رئيس حكومة ووزراء أوروبيون سابقون يوقعون على رسالة تفضح السياسات الرسمية للدول الأوروبية، وتدعو الى التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية، عبروا عن رفضهم اتهام الجنائية الدولية بمعاداة السامية.
فرنسا، التي اعتقد الكثير من الفلسطينيين أنها الأكثر قرباً، من أخواتها الاستعماريات، كانت قد قمعت تظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين إبان العدوان الإسرائيلي، ولاحقاً جرى فصل للصحافي ناصر أبو بكر نقيب الصحافيين الفلسطينيين من وكالة الصحافة الفرنسية عقاباً له على موقفه ودوره. كل الدول الأوروبية أساساً وغير الأوروبية التي تقف خلف الولايات المتحدة، والتي تعطي الحق لإسرائيل بالدفاع عن نفسها، إنما تعطي الاحتلال الضوء الأخضر لمواصلة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني. وبالإضافة فإن تبنّي الولايات المتحدة وشريكاتها الأوروبيات، لشرط الاعتراف عربياً بإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، فإنها بذلك تتبنّى السياسة العنصرية، وسياسة «الأبرتهايد» الإسرائيلية، دون أن تدرك، بأن إسرائيل لا يمكن ان تكون ديمقراطية، وعنصرية واحتلالية في الوقت ذاته، وكل ذلك لا يعمل في مصلحة إدامة عمر الاحتلال لأطول فترة ممكنة.
خلال الجولة الأخيرة من العدوان على غزة، والشعب الفلسطيني في القدس والضفة، وأراضي العام 1948، لم تتوقف الجرائم الإسرائيلية على البعد الإنساني، وعلى البنى التحتية، وإنما شملت قطاع الصحافة والإعلام. هذا القطاع، خاض المعركة في المواقع المتقدمة، وحيث كان الخطر وقد واصل الصحافيون الليل بالنهار لتقديم الحقيقة في مواجهة التزوير الذي تجندت له كل آلة الاحتلال.
الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أصدرت تقريراً يتضمن اثنين وسبعين انتهاكاً بحق صحافيين ومؤسسات صحافية، استهدفت ثمانية وثلاثين صحافياً، وواحد وثلاثين مؤسسة صحافية. لاحظ المراقبون ان الولايات المتحدة، لم تتحرك لتحذير إسرائيل من استهداف المؤسسات الصحافية إلا بعد ان دمّر الطيران الحربي، برج الجزيرة، الذي تتواجد فيه «الأسوشيتدبرس» الأميركية. منصات التواصل الاجتماعي، أميركية الأصل والإدارة خاضت المعركة الى جانب إسرائيل، وحاربت المحتوى الفلسطيني، وأغلقت حسابات كل من يتضامن مع الفلسطينيين، هذا بالإضافة الى الهجمات الإلكترونية التي شنتها الأجهزة الاحتلالية. رغم كل ذلك فلقد نجح الصحافيون والإعلاميون الفلسطينيون وأنصارهم في معركة تقديم الرواية الحقيقية الصادقة، ما أحدث أثراً واسع النطاق على المستوى الدولي في اتجاه الوقوف على الحقائق، والتضامن مع القضية والشعب الفلسطيني.
الخسائر التي تكبدها قطاع الإعلام والصحافة الفلسطينية باهظة، سواء في الاعتداءات السابقة أو في العدوان الأخير، لكن الكثير من القائمين على المؤسسات الصحافية والإعلامية، يشكون من أنهم لا يحصلون على التعويض عن خسائر مؤسساتهم، ويبدو أنهم غير مشمولين في قوائم إعادة الإعمار.
إذا كان الإعلام الفلسطيني مستهدفا على نحو مقصود ومركّز من قبل إسرائيل، التي تعوّدت على منع الصحافيين من الحصول على معدات الحماية من دروع، وخوذ، فإن المسؤولية ابتداءً تقع على عاتق الأطراف الفلسطينية المشرفة والمعنية، بإدارة ملف إعادة إعمار قطاع غزة.
ربما تنظر إسرائيل إلى قطاع الإعلام، على أنه من المحظور إعادة بنائه وتأهيله، كما تنظر الى منع أي إمكانية لإعادة بناء قدرات المقاومة الفلسطينية. في كل الحالات، لا ينبغي ولا يمكن أن ينتظر أحد من إسرائيل إنصاف أي فلسطيني أو مؤسسة، ولكن لا يمكن ولا ينبغي إعفاء السلطات الفلسطينية من مسؤوليتها عن دورها وواجبها تجاه إعادة بناء وتعويض قطاع الإعلام والصحافة، بما أن هؤلاء المقاتلين موجودون دائماً في الميدان أيام الهدوء وأيام العدوان.