نابلس - عاطف أبو سيف - النجاح الإخباري - اعتدنا أن نقول الأقل ضرراً، وأظن أن حالنا مع بايدن ينطبق عليه هذا القول. ربما ليس الأفضل، ولكن الأقل ضرراً. وربما لا يأتي بايدن بالكثير لنا، وبالطبع يجب ألا ننتظر منه الكثير ولكن الأقل. بمعني أن يكون أقل حدة ضدنا. نحن قد نسلم أنه ليس معنا، لأنه لم يسبق لأي رئيس أميركي أن وقف إلى جانب الحقوق الفلسطينية، كما لم يسبق لأي رئيس أميركي أن وقف إلى جانب الحق، ليس في فلسطين بل في أي مكان في العالم؛ فهذه أميركا للأسف، ولكننا لا نريد له أن يكون ضدنا إلى هذا الحد أو ذلك. أو كأننا نقول: إننا لا نعارض أن يكون ضدنا، ولكن ضدنا إلى أي حد. فترامب كان ضدنا أيضاً، لكنه كان ضدنا ودفع كل ما يملك من أجل أن يجعل الآخرين ضدنا. هدد وتوعد ووعد بمنح الحسنات لم يقف ضدنا. هكذا فإن «خيمة عن خيمة تفرق» لكنها كلها مصائب. فلم نكن نتوقع من ترامب أن يكون رجلاً صالحاً، خاصة حين يتعلق الأمر بالوقوف بجوار الحق، ولم يكن مفاجئاً لنا أن يكون سيئاً، لكن سيئاً عن سيّئٍ يختلف، وسوء ترامب وصل ذروة بات استخدام كل الكلمات البشعة لوصفه غير كافٍ. وكما كان ترامب ليس معنا، فإن بايدن لن يكون معنا. وكما كان ترامب ضدنا، فإن بايدن من حيث المبدأ سيكون ضدنا. لكنه ضدنا إلى أي حد.
لا يستطيع فلسطيني أن يقول: إن بايدن سيكون معنا؛ لأنه ببساطة لا يمكن أن يكون كذلك. ولأنه ببساطة أن تكون معنا يعني أن تقوم بثورة في القيم والأخلاق الأميركية، وثورة أخرى في أساسيات السياسة الأميركية، وربما تكون بحاجة لثورة أميركية جديدة تعيد الأخلاق المفقودة في تلك السياسة. وأن تكون معنا ببساطة تعني ألا تكون أنت، فلا يستقيم أن تكون مع الحق الفلسطيني وتظل تؤمن بما تؤمن به المؤسسات الأميركية الرسمية، أنت بحاجة لأن تخرج عن جلدك، أو بالأحرى أن تعود إلى جلدك الحقيقي. فأن تكون معنا هي أن تكون مع نفسك كما هي.
وربما لا يستطيع الرئيس الأميركي أن يكون كذلك. لا يستطيع السيد بايدن أن يفعل كل ذلك. لا يستطيع أن يكون معنا إلى هذا الحد. لذا نحن لا نطلب منه أن يكون معنا. ولا نتوقع منه أن يكون معنا. ولا نفكر بيننا وبين أنفسنا أنه معنا. ولا نحلم أن نصحو من النوم فنجده قد صار معنا. ولا يمكن لنا أن نذهب إلى هذا الحد. كما لا نتوقع منه أن يتوقف أن يكون ضدنا. أو أن يقوم بعمل انقلاب في وجهة النظر الأميركية تجاه الصراع. لا أحد يتوقع ذلك. ولا نتوقع منه أن يكون مختلفاً بشكل جوهري. كل ما نقوله: إنه ليس ترامب. وإنه قد يكون أقل سوءاً وأقل حدة ضدنا. وإذا كانت من رسالة للسيد بايدن فهي ببساطة ولكي يطمئن قلبه: نحن لا نريدك معنا. ولا نريدك أن تكره إسرائيل. ولا نريدك أن تكون ضد إسرائيل ولا نريدك أن تتخلى عن كل قواعد السياسة الأميركية تجاه الصراع في المنطقة، ولا نريدك أن تتحول فجأة لمناصر للقضة الفلسطينية ولا أن تنتقد السياسات الإسرائيلية، وربما ليس بالضرورة أن تنتقد قتل الأطفال على الحواجز واحتجاز جثامينهم لسنوات حتى تحرم أمهاتهم من وداع يليق بالألم، ولا أن تنتقد قصف الأبرياء العزل في غزة وحرمان العائلة من لمة إفطار رمضاني، ولا أن تنتقد مقتل صيادين في البحر يطاردون حبات السردين حتى يشتروا لأطفالهم عشاءهم آخر النهار. لا نريد لك أن تبدو محرجاً أمام غلاة المتطرفين في الكونغرس ولا نريد أن نحرجك أمام الآخرين. لذا لا نريد منك أن تقوم بكل ذلك. صحيح أن الصمت عن مثل هذه الأفعال المشينة جريمة، وأن أخلاق الرجل الحر لا تسمح له أن يكون مشاركاً بصمته في عمليات غير أخلاقية كتلك، لكننا ندرك أن وضعك صعب، وأنك جزء من منظومة قاسية لا تعرف الرحمة وتحتقر الأخلاق في السياسة، لكننا نريد لك على الأقل أن تكون أكثر إنسانية وأقل بؤساً ممن سبقك. أن تكون أقل قسوة تجاه حقوق الآخرين.
لن نقول لك ما قاله شاعرنا الوطني درويش: «فكّر بغيرك»؛ لأن ثمة شيئاً عن الأنانية نعرفه وتعرفه لا يمكن أن يتغير، لكن أيضاً فإن الآخرين الذين فرحوا بقدومك لأن من سبقك امتلك من الصفاقة وانعدام الأخلاق ما جعلك أفضل منه. لأن أحداً لم يتوقع أن يصل الإنسان إلى ما وصله إليه سلفك: أن يمتدح سرقة أرض الآخرين ويتغنى ببطولات جيش يقتل الأطفال. هكذا بدوت أنت أفضل منه؛ لأنك على الأقل لم تفعل ذلك. هل هناك من يقول لنا ألا نستبشر كثيراً بقدومك. حقيقة نحن كفلسطينيين، أريقت دماؤنا بحماية دولية وبغطاء من القانون الدولي، نعرف جيداً أننا لا يجب أن نثق كثيراً بالآخرين.
لكننا على الأقل ندرك أيضاً أن الضوء البعيد في آخر النفق بعيد جداً، وسنظل نواصل السير حتى نصله. وعليه نحن فقط نعلق أحلامنا على أكتافنا لا على أكتاف الآخرين. يقول أجدادنا: لم يبق في قوس الصبر منزع.. ولم يبق أمامنا شيء لنبكي عليه إلا أحلامنا وهي ما نحرص على ألا تموت. لذلك سيد بايدن كل ما نتوقعه منك لا أن تفكر بالآخرين، بل فكر بنفسك: أي إنسان تريد أن يفكر فيه الناس وقتها تدرك كم يفرق أن تكون مع الحق على الأقل لا ضده.