عبير بشير - النجاح الإخباري - ربط الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطابه أمام الجمعية العامة، إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة، برفع العقوبات على بلاده، وأكد أنه غير مهتم بـ"صورة تذكارية" مع الرئيس الأميركي: " أود أن أعلن أن ردنا على أي مفاوضات في ظل العقوبات هو.. لا ... الصور التذكارية هي المرحلة الأخيرة، وليست الأولى من المفاوضات.
هذا الكلام يعكس عصارة موقف المرشد الإيراني على خامنئي، أنه لا يريد المفاوضات، ولا يرغب بالحرب!.
نعم إيران لا تسعى إلى الحرب المباشرة معها، ولكنها تقوم بتشغيل أذرعها في اليمن ولبنان والعراق وسورية، لشن هجمات بالوكالة.
أصلا الحرب ليس في وارد واشنطن ولا طهران، الولايات المتحدة تريد وضع ضوابط على طريق استعادة الحليف القديم ولو بعد مائة عام. وطهران تسعى للحصول على الاتفاق النووي وملحقاته، وأيضا تثبيت الدور الإقليمي الواسع لها.
شبح هجمات أرامكو شوّش على خطاب مظلومية إيران أمام الأمم المتحدة، بفعل العقوبات الأميركية القاسية التي تشل الاقتصاد الإيراني، والتي جعلت من المرشد الإيراني يقول أمام زواره، بأن ترامب أوقف وصول الحليب إلى الأطفال الإيرانيين وأموال الإعانات للمتقاعدين في المناطق الفقيرة حول طهران.
وفي مؤتمر "متحدون ضد إيران النووية" سخر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من تصريحات روحاني، ووصفه بـالبائس. وأبدى تمسك الإدارة الأميركية بإستراتيجية الضغط الأقصى، داعياً دول العالم إلى الانضمام إليها.
إذاً استراتيجية الضغط الأقصى، هي كل ما بجعبة الإدارة الترامبية، رداً على كسر إيران للخطوط الحمر، واستهداف منشآت أرامكو النفطية، بطائرات مسيرة وصواريخ منخفضة التحليق، تحمل البصمات الإيرانية. والضغوط القصوى بحسب بومبيو هي حرمان إيران من مواردها النفطية، واستهداف النشاط الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني، ومنع مسؤولين إيرانيين كبار وعائلاتهم من دخول الولايات المتحدة.
ولكن رغم كل ذلك، أكدت واشنطن ترامب، من الأمم المتحدة، أنها تريد حلاً سلمياً للتوتر مع إيران، وتأمل أن تجد فرصة للتفاوض معها وتخرج بنتيجة تكون جيدة بالنسبة لهم وللولايات المتحدة.
ومرة أخرى، يبدو بأن طهران ليست في وارد المفاوضات تحت سيف العقوبات، وهي ستمضي في استراتيجية تقطيع الوقت، مع المشاغبة الدامية، في انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات القادمة.
 ولقد سعت إيران عبر اعتداء بقيق، إلى كسر معادلة رامب، بأن خنق طهران بالعقوبات، سيجبر طهران على الجلوس على طاولة المفاوضات من دون شروط، وهو ما تحاول طهران تجنبه عبر تمسكها بخيار الصبر الاستراتيجي، وتحويل الفشل الترامبي في جلب طهران إلى مائدة المفاوضات، إلى اشتباك داخلي أميركي يستخدمه خصوم ترامب من الديمقراطيين الذين يتهمونه بإضاعة اتفاق "الممكن" والفشل في التوصل إلى بديل "مقنع".
ومن الواضح أن إيران تشعر بالاختناق وتعتبر أنها تتعرض لحرب وصفها أحد دبلوماسييها في بيروت بـ"الموت البطيء"، مشددا على أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الموت البطيء".
لقد اعتمدت طهران خط التصعيد رداً على العقوبات الأميركية القاسية التي تخنقها، واستهدفت إمدادات البترول العالمية، بضربها قلب صناعة النفط السعودي، في بقيق وهجرة خريص، بالصواريخ والطائرات الدرونز، التي أصبحت تمثل تحدياً جدياً يصعب التعامل معه لوسائل الدفاع الجوي المصممة لمواجهة الطائرات والمقاتلات الحربية الضخمة والصواريخ الباليستية.
وقد هددت إيران، بأنها ستغلق مضيق هرمز، إذا لم تتمكن من تصدير نفطها، ولن تدع  الآخرين يقومون بتصدير نفطهم. ولكنها اكتشفت أنها لا تستطيع القيام بهذه الخطوة، ورأت أنه من الأسهل ضرب المنشآت النفطية في السعودية.
ويبدو أن إيران، لن تتوقف عن تسديد اللكمات عبر أدواتها في المنطقة، ردا على ما تعتبره حربا أميركية عليها، ما دام الاستهداف لمناطق في السعودية، وليس للجنود الأميركيين، وهي تدرك صعوبة الموقف الأميركي، وضيق خياراته في ظل انتخابات رئاسية أميركية على الأبواب، وحرص الرئيس ترامب على العودة مرة أحرى للبيت الأبيض.
أخطر ما في هجوم بقيق، أن طهران أقدمت على هذه الخطوة العنيفة، وفي ذهنها بأن الحسابات التكتيكية والإستراتيجية  للإدارة الأميرية، ستتجنب الرد العسكري كما فعلت من قبل، عندما قامت إيران بإسقاط طائرة مسيرة أميركية فوق مياه الخليج العربي. فقد راهنت طهران على ضعف احتمالات الرد الأميركي العسكري القوي عليها، مع استبعاد الرد الأميركي المزلزل عليها، كما حدث مع صدام حسين.
ثم أن هجوم بقيق بدا غريباً في حجمه وتوقيته، وخصوصاً أنه حصل في سياق انفتاح دبلوماسي بين واشنطن وطهران، كانت ترجمته الحديث عن لقاء محتمل بين ترامب وروحاني، على هامش الأمم المتحدة، وفي ختام جولة أوروبية وآسيوية قادت وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى 12 دولة، شرح لمسؤوليها خلالها مظلومية إيران.
ولكن اتضح، أن هجوم أرامكو العنيف، كان رداً على فشل وساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ردم الهوة بين الإدارة الأميركية وإيران، بعدما أصرت إيران على تخفيف العقوبات قبل عقد لقاء ترامب - روحاني، في حين أصر الطرف الأميركي على رفض العرض الفرنسي بتقديم 15 مليار دولار لطهران خطاً ائتمانياً مقابل عودتها إلى تطبيق بنود الاتفاق النووي.
يمكن القول أنه لم يعد سهلاً على طهران القيام باستهداف جديد قوي لمنشآت نفطية أو حيوية في السعودية، لأنه سيحول ذلك من مشكلة سعودية أو خليجية إلى مشكلة دولية، وخصوصا مع الحديث عن الترتيبات الجارية لإرسال قوات أميركية دفاعية إلى المملكة السعودية، ولكن تبقى الأمور مفتوحة على كل السيناريوهات.
 

الايام