ماجد هديب - النجاح الإخباري - في ظل تكالب العالم الاستعماري، وتزايد أطماعه فان تلك الدول كانت قد اتجهت نحو تنفيذ مخططاتها الاستعمارية لتحقيق مصالحها دون خسائر من خلال مفاهيم الأمن والديمقراطية التي نجحت في تصديرها لبعض المجتمعات ،سواء تلك التي ما زالت في طور البناء، وحتى تلك المجتمعات التي ما زالت في طور التحول من ثورة إلى دولة ،ومنها مجتمعنا الفلسطيني ،حيث سادت الفوضوية والاعتباطية نتيجة استيراد تلك المفاهيم ومحاولة السلطة الفلسطينية تقليد نماذج ديمقراطية من تجارب الغير ،حيث كانت  السلطة الفلسطينية قد دفعت المجتمع الفلسطيني بوعي منها أو دون وعي ,ليس في اطار التصادم مع الهوية الوطنية فقط ,وانما حتى مع هويته الإسلامية  في اطار ما احدثته تلك المفاهيم من التصادم ما بين الأصولية والوسطية والمعاصرة في ظل التحديات المفروضة وانعدام اتباع القيادة الفلسطينية سياسة الاولويات.

إن في هذا التقليد الذي قامت به السلطة الفلسطينية من حيث استيرادها لنماذج ديمقراطية منسوجة عن الدول الأوروبية قد أدى إلى ما خططت له دول الاستعمار من أجل إضعاف مجتمعنا الفلسطيني والسيطرة عليه نتيجة ما أحدثه هذا التقليد من تناقض داخل المجتمع فكريا واجتماعيا وامنيا وإغراقه في دائرة البحث عن الهوية لسنوات ,ولذلك كان على السلطة وقبل صياغة الدستور ان تعمل أولا على بلورة خاصة لمفهوم الامن والديمقراطية وبما يتوافق مع تحول مجتمعنا دون تقليد او استيراد من خلال الإجابة على الكثير من التساؤلات ،ومن أهمها  ،بل وفي مقدمتها ما هو مفهوم الامن المطلوب تحقيقه لخدمة عنصر الاستقرار والتطور الإنساني والاجتماعي وبما يتوافق مع احتياجات المجتمع الفلسطيني وإمكانياته  الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في ظل مرحلة المقاومة التي لم تنته بعد ، وما هي معايير الديمقراطية, وهل يمكن تحقيق هذه الديمقراطية  دون امن ،او تحقيق الامن بلا ديمقراطية؟, وهل يمكن للإنسان الفلسطيني أيضا ان ينطلق في عمليتي المقاومة و البناء والتطور وهو في حالة من انعدام التنمية ودون قدرة  السلطة  على توفير مستلزمات هذه التنمية؟.

ان عدم الإجابة على تلك التساؤلات واستيراد مفاهيم الحرية والامن من دول أوروبية أدت إلى احداث الصدام الفكري والاتجاه نحو الصدام ،ولذلك كان صدام حركة حماس مع السلطة والذي انتهى بسيطرة هذه الحركة على غزة ،وهذا ما سهل للتيار الأصولي داخل هذه الحركة من التنامي والتمدد  في غزة ،ولعل ا ما شهدناه من عمليات إرهابية  ليلة امس كان من أفعال هذا التيار بفعل عدم قدرة حماس على تضييق الخناق عليه وانهائه رغم محاولاتها المستمرة بذلك ، فما هو المفهوم الأمني ومعايير الديمقراطية التي كان يجب على السلطة الاستناد عليها للانتقال الامن من ثورة الى دولة في ظل تلك التحديات المفروضة ؟،وهل يمكن للسلطة وحدها وفي ظل حالة الانقلاب الذي في غزة من تحديد تلك المعايير مجددا من اجل انقاذ مجتمعنا الفلسطيني من الانزلاق نحو عمليات الإرهاب التي يبدو ان إسرائيل قدرات في تصاعدها خدمة لأهدافها في ظل ما يجري في الإقليم والعالم من تطورات واحداث؟.

على حركة حماس ان تعلم بان العلاقة ما بين الامن والديمقراطية المقيدة بضوابط  متفق عليها وطنيا هي القاعدة التي تستند عليها الدول في بناء الحياة السياسية الوطنية السليمة, حيث ان العلاقة ما بين الامن والديمقراطية هي علاقة طردية , بل وتبادلية ايضا للوصول الى التنمية والاستقرار، وبالتالي الاتجاه نحو التقدم والازدهار وزيادة فرص التنمية والانطلاق نحو الحضارة والحرية والرقي ,وبان المجتمعات التي تمارس السلطات فيها سياسية الملاحقة والمتابعة لقوى المجتمع مع تقييد الحريات في ابداعها تصبح اكثر المجتمعات انعداما لأدنى مقومات هذا الامن حاضرا ومستقبلا ،ولذلك فهي مدعوة اليوم ،وفي ظل ما يحيط بغزة من اخطار للاتجاه نحو تصليب جبهتنا الداخلية وتحصينها بالوحدة الوطنية من خلال الاستراتيجية السياسية والأمنية والإعلامية ،فلا نصر لنا دون ديمقراطية ،ولا امن أيضا  ،او حتى نجاح في مواجهة الخطر القادم الينا  دون تصليب جبهتنا الداخلية.