نابلس - تحسين يقين - النجاح الإخباري - للقدس هنا، للمرأة والأسرة والمجتمع، خصوصية واقع معقّد؛ لا بد ليس من تفكيكه فقط، بل لا بدّ من إعادة تشكيله وطنياً وتحررياً.
جدلية نعيشها في فلسطين، على مدار عقدين ونصف من التحولات السياسية والاجتماعية، جاءت من الواقع الإشكالي، الذي تمثل بتأسيس السلطة الوطنية قبل إنهاء الاحتلال.
الحق بالحياة: ما هي الحياة التي تم قصدها هنا؟
لعل الوجود والتفاعل الاجتماعي هو اهم تجليات الوجود الإنساني..والحياة.
وطنياً، تعددت وتنوعت أساليب النضال الوطني سياسياً، ومن ناحية أخرى صار تأسيس مجتمع مدني فلسطيني هدفاً وطنياً، وهو ما أسس لحالة اجتماعية تناضل من أجل حقوق المرأة وحمايتها من العنف داخل المجتمع، وفي الوقت نفسه، الذي تناضل فيه من أجل حقوقها الأساسية المنتهكة من قبل سلطات الاحتلال.
وهنا، في ظل هذه الجدلية وتلك الإشكالية، يزداد وضع القدس تعقيدا، حين نرى أن المدينة أصلاً تم استثناؤها، وبالتالي نفيها خارج الشكلانية السياسية التي عاشتها فلسطين تحت الاحتلال، وإن لم تسلم تماماً من تأثير التحولات عليها. في حين تم تضمين محيط القدس في تقسيمات اتفاقية أوسلو: ألف باء جيم. والتي صارت تسمى بضواحي القدس، والتي ظلت منذ تأسيس القدس واقعاً جغرافياً موحداً، في الوقت الذي أدخل الاحتلال مستوطنات غلاف القدس بها، وتلك مفارقة مدهشة حقا، حين يدخل الاحتلال ما يريد وينفي ما يريد، كأن المقدسيين/ات لا وجود لهم.
ولعلنا نستعرض هنا ما نعرفه من تنويعات الوجود المقدسي، وهي على النحو:
• ما تبقى من الأحياء الفلسطينية في القدس الغربية التي احتلت عام 1948 مثل: أبو غوش، وبيت نقوبة ونصف بلدة بيت صفافا، التي تم تقسيمها عام النكبة. وفضاء تلك القرى الثقافي والاقتصادي مختلف.
• ما يسمى بالقدس الشرقية التي احتلت عام 1967. وهي البلدة القديمة التي سلمت من التهويد والهدم، والمدينة والأحياء التي يحمل أهلها بطاقة الإقامة، ما يعرف ببطاقة هوية القدس، وهي كما نعرف الطور وسلوان وراس العامود والسواحرة وبيت حنينا..والمقدسيون مدينة وبلدات كونت مع الزمن خلال 51 عاماً ثقافة اجتماعية ذات طابع خاص.
• ما أدخلته سلطات الاحتلال ضمن ما يسمى ببلدية القدس مثل كفر عقب قلنديا وسمير أميس. حيث تعد هذه الأحياء أقرب إلى رام الله. ويسري عليهم ما يسري على مواطني القدس.  وهؤلاء يختلفون في النظام الاجتماعي والاقتصادي، فهم مكانياً، وقانونياً ما بين الضفة الغربية والقدس. وهذه أصلاً صارت الآن خارج ما يسمى بغلاف القدس. وقد أقرت لجنة إسرائيلية حكومية بفصلها عن القدس، وخلق جسم جديد تتبعه.
• الجزء الأصيل من محافظة القدس، في شمال وجنوب وغرب وشرق القدس وهي قرى تم السطو على جزء من أرضها لصالح المستوطنات في محيط القدس ولصالح جدار الفصل والضم. مثل قرى شمال غربي القدس التي صادرت سلطات الاحتلال ارضها لصالح جفعات زئيف وهادشا وهارادار.
ولو تأمنا أصلا حالة المقدسيين/ات في القدس، سنجد أن هذا الجسم المنسجم، تم ضربه لجعله متشظياً على عدة مراحل، تبعاً لسياسات إسرائيل لفرض الأمر الواقع؛ فقد بدأ الفصل الأول في التهجير والفصل، ثم بعد حرب عام 1967، ضمت إسرائيل القدس واتخذتها عاصمة، عام 1980. 
ثم ليزداد التشظي-الاجتماعي الاقتصادي، حين تم تأجيل قضية القدس للحل النهائي، حيث أحاطت سلطات الاحتلال المدينة بالحواجز، وصار الفلسطينيون يحتاجون لتصاريح من الاحتلال، وصولا للفصل الفيزيقي من خلال الجدار.
كل ذلك خلق بخصوصيات اجتماعية وثقافية، فصار هناك تمايز واختلاف، وهو يختلف عن التعددية المقدسية الإيجابية الطبيعية، حيث أن ما صار المقدسيون/ات يعيشونه هو أصلا بسبب اجراءات الاحتلال. وكل ذلك ظهرت له تجلياته في جميع مناحي الحياة. ولنا معا تصوّر كيفية سير العلاقات الاجتماعية مثلا لهؤلاء الذين واللواتي تم بعثرتهم مكانياً وقانونياً، وجعلتهم يحيون في قلق مضاعف على المصير اليومي والسياسي.
لعل الحياة الاجتماعية هي ما تعني الحياة من جميع جوانبها من حيث التزود بحاجات البشر المادية من غذاء وملبس ومسكن، وهي الصحية والتعليمية والثقافية والرفاه والأمن، فهل يتوفر للمقدسيين/ات ذلك؟
التعليم: يأتي تشتت النظام التربوي والتعليمي في القدس، في سياق حالة من التشتت العامة لشعبنا تبعا لأماكن وجوده ولجوئه؛ حيث يطبق على الطلبة الفلسطينيين نظم التعليم في أماكن تواجده، وباستثناء السيادة التعليمية في الضفة الغربية، عدا القدس، وقطاع غزة، فإن الطلبة يتعرضون لنظم غير فلسطينية، خصوصا الطلبة اللاجئين، في حين تتحكم السلطات الإسرائيلية بالتربية والتعليم داخل الأحياء الفلسطينية المحتلة عام 1948. ومنذ سنوات تؤسرل إسرائيل التعليم.
ويمكننا قراءة التعليم في القدس، والأخطار التي تتهدده؛ حيث تسعى سلطات الاحتلال من خلال ما يسمى "ببلدية القدس" إلى فرض ولايتها ومناهجها وفلسفتها، بل والتخطيط التربوي باتجاه خلق مخرجات تربوية تستجيب لسوق العمل الإسرائيلي.
إن التفكير المهني والوطني في فلسفة التعليم العام، يعني أن الهدف هو الاطمئنان على تعرّض جميع الطلبة لمناهج وطنية واحدة، تجمعهم على الهوية والثقافة، باعتبارهم مواطنين مستقبليين، يتطلب عيشهم وجود عقد ثقافي فكري يجمعهم. 
كما أسلفنا، على الرغم من أهمية تنوع النظم التعليمية، وما يخلقه ذلك التنوع من تنوع ثقافي وفكري، إلا أن ذلك -لا ينطبق على الحالة المقدسية بشكل خاص، وفلسطين بشكل عام؛ حيث تضارب الفلسفات الكامنة وراء ذلك التنوع، ووجود الاحتلال ومساعيه لإفراغ النظم التعليمية من إطارها الوطني الفلسطيني- ينعكس بشكل مباشر على واقع العلاقة بين المكونات الفلسطينية المختلفة، والتناغم الاجتماعي، والقيم الجامعة. 
بالإضافة إلى مسعاها على مدار عقود طويلة إلى تشويه وتحريف المنهاج الفلسطيني وحذف كل ما يتعلق بالإطار الوطني منه، وفرض نظام تعليمي إسرائيلي في المدارس التي قامت بتأسيسها وتعرف بمدارس البلدية والمعارف الإسرائيلية، ما يتهدد الهوية الفلسطينية الجامعة، وينذر بتقسيم المجتمع الفلسطيني إلى طبقات متضاربة الوعي الوطني. 
ففي الحالة المقدسية، فإن هدف الاحتلال هو تسريع حالة التشظي الفكري، والاغتراب في الزمان والمكان، حين يتم نفي حدود الإنسان/المواطن مكانياً وزمانياً؛ حيث تكون التربية على المكان وطنياً والتربية على الزمان ضمانات ثابتة وإستراتيجية في التربية على الهوية الوطنية.
ونعني بالاغتراب المكاني بشكل دقيق أن يعيش الطفل/الفتى في مكان لا يعرفه، فيصبح غريباً عنه، كونه أصبح ليس من بنية فكر ونفسية الإنسان، ولا من سلوكه. أما الاغتراب الزمني فهو عيشه خارج المجتمع، كأن يكون عيشه على هامش المجتمع، ما يدفعه للبحث عن أزمنة أخرى ماضوية للجوء إليها.
وأكثر ما تتجلى فلسفة التعليم في المناهج المطبقة، ممثلة بشكل أساسي بالكتب المدرسية، إضافة للعناصر الأخرى.
فيما يخص المنهاج الوطني فقد أصبح محدوداً في المدارس التي تتبع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ممثلة بمدارس الأوقاف ومدارس الأونروا، والمدارس الخاصة، ثم تم تفريغه من البعد الوطني في مدارس ما يسمى ببلدية الاحتلال، فصار كتاباً محرّفاً عن الكتاب الأصلي. في حين تم إقرار وتطبيق المناهج الإسرائيلية التي تتضمن كتب المدنيات التي ترسخ المواطنة الإسرائيلية، على عدد من المدارس. (حوالي 2000 طالب)، ضمن 5 مدارس، في شعب منتقاة، يعمل الإسرائيليون اليوم على توسيعها. أي أن هناك مسارين في عدد من المدارس، الأول وهو الذي كان سائدا مع تعديل في المناهج، والثاني، وهو الذي يتقدم الطلبة في آخره لشهادة ما يسمى بالبجروت. ومثال تواجد هذا النظام مدرسة ابن خلدون. إضافة إلى أن المسار التعليمي الإسرائيلي يقوم بعملية تطبيع ذكية، بتنظيم تجوالات وزيارات لمتاحف إسرائيلية وحدائق توراتية وحضور مباريات رياضية لفرق إسرائيلية. معروف ان 50% من طلبة القدس هم خارج النظام الوطني الفلسطيني. لذلك فإن العمل هو هو على نصف الطلبة.
كل ذلك أثر على الهوية الفلسطينية، والنظام الاجتماعي والثقافي، ومنه وضع المرأة والصورة النمطية لها، كون الاحتلال على مدار سنواته مال إلى الحفاظ على النمط التقليدي الذي يخدم بقاءه. ولذلك علاقة بعلاقات القوة وأدوار النوع الاجتماعي.
في ظل استلاب الحيّز العام، وتجاوز التضييق على الفضاءات الخاصة إلى الفضاءات التعليمية، فإن فرص تعرف الطلاب المقدسيين على بعضهم البعض، والتفاعل الايجابي في أطر منظمة، تصبح محدودة، حيث أن ضيق المساحات فيزيقياً يؤدي إلى الضيق الفكري. ينطبق ذلك داخل الصفوف المكتظة، وداخل ساحات الملاعب والمرافق. وبدلا من التفاعل الذي ينعكس إيجابا على العملية التربوية، فإن الحيّز العام الضيق يخلق التدافع والتنافر. من ناحية اجتماعية، فإن لذلك أثراً في تكريس الطبقية بين المكونات المجتمعية المختلفة، وتعميقاً للتباين بين الطلاب على أساس القدرات المالية للأسر. 
وهذه تربة خصبة لتسرب الطلبة خصوصاً الفتيات لأسباب لها علاقة بالفهم التقليدي للحماية، في ظل انتشار ظاهرة المخدرات.
لذلك، فإن الاهتمام بالقدس تربوياً هو أمر يصب في هدف البقاء..وهو لعله من أهم الاستثمارات الوطنية استراتيجياً، وهذا ما تجتهد به وزارة التربية والتعليم العالي والحكومة بشكل عام والأيادي البيضاء التي تمتد بالخير والحب لأطفال وطلبة القدس.

[email protected]

الايام