دلال عريقات - النجاح الإخباري - ظهر المثقفون مع تطور الحضارات لنقد الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدولة التي يعيشون فيها. في كتابه الجديد بعنوان "المُثقف القلق ضد مُثقف اليقين"، يٌقدم الدكتور خالد الحروب عرضاً لتطور مفهوم المثقف حيث يصنف تطور المثقفين إلى مراحل: من المثقف العضوي، إلى المثقف اليقيني، إلى الناقد ثم ينتهي بالمُثقف القلق.

ومن تقديم الحروب ببساطة نستنتج أن المُثقف القلق هو وصف لمرحلة التطور الطبيعي للمثقف الناقد. ويوضح خصال المُثقف القلق بأنه يهتم بالشأن العام، يحلل وينقد كما باقي المثقفين ولكن يتحلى بجوانب تميزه عّن غيره من المثقفين، فالقلق: •- يمتلك رؤية •- يسعى للتغيير •- علو سقف التوقعات.

إذا نظرنا للواقع الفلسطيني، سنتذكر مقولة أنه "لا يوجد في الهند سياسي شجاع بما فيه الكفاية لأن يحاول شرح أن الأبقار يمكن أكلها". أحياناً تغيب الحكمة أمام المُعتقدات وأمام ما اعتدنا عليه من مُسلَّمات، ننسى أن الشرائع والقوانين من صنع البشر لخدمة وتنظيم البشرية لا لتقييدها. في ظل غياب هذا السياسي أو صانع القرار في فلسطين، فمن البديهي التساؤل الْيَوْم عن المثقفين الفلسطينيين القلقين، من المؤسف أننا أصبحنا نكتفي باستثمار أخطاء الآخرين، الوضع الفلسطيني لا يحتمل المزيد من الروح السلبية التي تشجع على المنافسة ولا ترى الربح إلا بالقضاء على الآخرين، يحزنني جداً ما آلت إليه حالتنا من سيطرة النقد السلبي والتعميم والتجريح في أحكامنا على بعضنا، فها نحن نشهد نقداً للسياسة، نقداً للقيادة، نقداً لمظاهر الفرح، نقدنا السلبي وصل روح التضحية والصمود الفلسطيني، فبدلاً من أن نركز على ما هو جميل في فلسطين، نبحث عن النقطة السوداء في اللوحة البيضاء، فحتى الطفلة الشقراء الصغيرة التي جربت الأسر وحُرمت من الحرية، حولناها إلى هدف، لم تتكاتف جهودنا وكتاباتنا لتوظيفها كفرصة للترويج لفلسطين الصامدة لنكرس منها ومن تجربتها رمزاً فلسطينياً للأمل والصمود والجمال والبقاء والحق في الحياة.

نحن بحاجة للمثقف القلق، الذي يتوقع وينتظر منه الآخرون التغيير، هذا المثقف الذي يمتلك رؤية ويحمل هم التغيير، لا يكتفي بالشعارات ولا بالنقد ولا بإظهار أخطاء الآخرين ولا ينتظر التغيير من أحد بل يصنع التغيير، لا يقبل بالحياد ولا وجود للمنطقة الرمادية في أفكاره، يسعى للكمال وهنا من الطبيعي أن تحيطه الصراعات لأنه وللأسف لا أحد يريد مشاهدة الكمال. نحن بحاجة للمثقف القلق، نحن بحاجة للحكمة حتى نتجاوز الأفكار السلبية التي تتمحور بالنقد، حتى نسمو لدرجة الإصلاح.

التغيير لن يأتي من الخارج، وإذا كان صانع القرار غير قادر، فهذا لا ينفي دورنا جميعاً كأفراد، كل في موقعه في جلب التغيير، من حق الجميع أن ينقد ولكن يسمو من النقاد من هو صاحب رؤية وهمه إيجاد التغيير، فلسطين بحاجة للمثقف القلق، لا للمثقف الناقد، فالمثقف القلق لا يقبل أن يكون عابر سبيل في هذا العالم، لأن وجوده مرتبط بدوره لخلق التغيير.

عن القدس الفلسطينية