هاني حبيب - النجاح الإخباري -
نقلت وسائل الإعلام  الإسرائيلية، ما صدر عن مكتب رئيس الحكومة حول مضمون المكالمة الهاتفية التي أجراها ترامب مع نتنياهو أثناء قيام المحققين باستجوابه حول شبهات فساد، تركز هذا المضمون حول الملف الإيراني تحديداً وفقاً لما أورده مكتب رئيس الحكومة، غير أن عدداً من وسائل الإعلام لم تكتف بما جاء في هذا المضمون، عندما أشارت إلى أن المكالمة تضمنت في الغالب، تحذيراً متكرراً من قيام حكومة نتنياهو ومن طرف واحد بضم المستوطنات، خاصة مستوطنة «معاليه أدوميم» حيث تتداول أوساط الحكومة الإسرائيلية وبضغط  من الوزير بينيت فكرة الإسراع في اتخاذ الخطوات اللازمة لذلك بصرف النظر عن الجانب القانوني.
وزير الجيش الإسرائيلي، ليبرمان، وقبل ساعات من مغادرته إسرائيل متوجهاً إلى الولايات المتحدة، عاد وكرر ما سبق وأن اشار اليه، من أن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية من شأنه أن يتسبب في أزمة مع الولايات المتحدة في وقت تحاول إدارة ترامب أن تتقدم أكثر في إبداء كل الدعم للدولة العبرية، يقول ليبرمان إن هذا التخوف، يعود إلى أن إسرائيل قد تلقت بالفعل رسالة مباشرة من الولايات المتحدة، بأن فرض السيادة على «يهودا والسامرة» الضفة الغربية المحتلة سيؤثر بشكل مباشر على طبيعة التغاضي الأميركي إزاء الدولة العبرية، يتحدث ليبرمان هنا عن محاولات حثيثة يقوم بها حزب البيت اليهودي للدفع بمشروع قانون لفرض السيادة الإسرائيلية على ستين بالمئة من مساحة الضفة الغربية.
ما يعنينا في هذا السياق، هو سلوك ليبرمان الذي يبدو أنه بات أكثر «اعتدالاً» إزاء التعاطي مع عملية ضم المستوطنات وأجزاء كبرى من الضفة الغربية، في وقت ما زال يوصف به بأنه من اكثر رجال السياسة في إسرائيل عنصرية ضد العرب، داخل مناطق 1948 وخارجها.
وسؤال آخر، يتحدث ترامب مع نتنياهو في الوقت الذي يخضع هذا الأخير لعملية استجواب، قد يقال إن الرئيس الأميركي كان يعلم بمثل هذا التوقيت، ومن الممكن أن يلمح بعض «الخبثاء» أن هذا التوقيت عبارة عن رسالة تحذير من ترامب لنتنياهو من أن هذا الأخير، ربما لن يستقر في منصبه كرئيس للحكومة الإسرائيلية، وربما تذكير مع التحذير الذي أشرنا اليه بخصوص ضم المستوطنات، من أن هناك، رؤساء حكومة احتياط مرشحين لهذا المنصب، في حال أدت التحقيقات إلى انتخابات مبكرة... ليبرمان هو أحدهم!!
واقع الأمر أن ليبرمان لم يتغير، ولم يعتدل، رغم أنه بات يعد للعشرة قبل أي تصريح له، بخلاف ما كان يفعل قبل أن يحتل موقع وزير الحرب، لم يغير طبيعته بقدر ما حرص على تغيير طريقة تعبيره، وقد التفتت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى هذا الأمر بعد أن تابعت تصريحاته منذ منتصف العام الماضي عندما تم تعيينه في منصبه الجديد، يختصر الكاتب في «يديعوت أحرونوت» أفيعاد كلاينبرغ توصيف هذا الانتقال من قبل ليبرمان، بكلمتين: «نجح ليبرمان في ضبط نفسه»، ولكنه يشرح بأن الأمر يعود بدرجة أساسية وربما وحيدة إلى أنه يهيئ الأجواء لكي يخلف نتنياهو. الكاتب قال ذلك قبل موجة الشبهات والتحقيقات الأخيرة حول نتنياهو، أما الآن فإن مثل هذا الأمر، أي ان هذه المسألة باتت أكثر ترجيحاً على ضوء ما يمكن أن تؤدي إليه التحقيقات مع نتنياهو الذي ما زال وحسب استطلاعات الرأي، ينال إعجاب أغلبية المتطلعين لرئاسة الحكومة، فيما لو رشح نفسه لانتخابات جديدة(!).
والآن، إذ يزور ليبرمان الولايات المتحدة، فإنه سيلتقي مع نائب الرئيس الأميركي ووزير الدفاع، والأهم وزير الخارجية، من المرجح أن يعكس ليبرمان لدى هؤلاء تمسكه وحرصه على مضمون التحذير الأميركي بشأن ضم المستوطنات، خاصة أنه تبناها داخل الحكومة الإسرائيلية ووقف في مواجهة مع بينيت، سيقدم ليبرمان نفسه باعتباره أكثر حرصاً على عدم استفزاز إدارة ترامب من خلال التعاون معها، سيدفع كل ما من شأنه أن تتجاوب إدارة ترامب مع طموحاته للوصول إلى رئاسة الحكومة، فهو الخيار الأفضل من بين كافة المرشحين المنتظرين على قائمة الاحتياط لخلافة نتنياهو.
لكن ليبرمان يعلم بالمقابل أن الأهم من رضا الولايات المتحدة، هو رضا الناخب الإسرائيلي، لذلك كان أكثر حذراً أثناء التعامل مع قضايا تتلامس مع رؤية هذا الناخب عموماً، لم يتخذ أية مواقف متطرفة وحادة كما جرت العادة، واختار عباراته بدقة، كما أنه تجاهل أن يتبرع بأي تصريح لا لزوم له، وتجنب أن يؤخذ عليه، أي موقف من الممكن أن يحسب عليه، وحاول بنجاح ملحوظ أن يقنع الناخب الإسرائيلي بأن المصلحة تقضي بمزيد من التعاون مع الولايات المتحدة في عهدها الجديد، وعدم استفزاز قيادتها الجديدة، خاصة في مسألة ضم المستوطنات إلى الدولة العبرية، طالما أن هذا الضم، لن يتحقق من الناحية العملية جراء الإجراءات القانونية.. فلماذا التضحية واستفزاز الصديق الأميركي طالما أن قرار الضم لن ينفذ؟!