وكالات - النجاح الإخباري - شهدت بغداد ومختلف المحافظات العراقية الجمعة 10 يناير (كانون الثاني)، تظاهرات حاشدة وسط استعدادات أمنية وإجراءات احترازية "غير مسبوقة" لقوات الجيش والشرطة.

وهتف المتظاهرون أثناء خروجهم إلى الساحات الرئيسة في الديوانية والناصرية والبصرة والنجف وكربلاء، منددين بإيران والولايات المتحدة اللتين شنتا ضربات في الفترة الأخيرة على الأراضي العراقية، ما أثار قلقاً من سقوط البلاد في الفوضى مجدداً.

ووفق مصادر أمنية، فقد توافد المتظاهرون بأعداد كبيرة منذ ساعات الصباح إلى ساحة التحرير وسط بغداد، للمشاركة في "مليونية الجمعة"، إحياء للانتفاضة التي انطلقت في أكتوبر (تشرين الأول)، ورداً على الصمت الحكومي والبرلماني إزاء مطالب المتظاهرين، مرددين شعارات "لا لأميركا لا لإيران... سنة وشيعة إخوان".

وأصدر معتصمو ساحة التحرير بياناً بشأن التحركات، محذرين من رفع أي شعار يخالف مطالبهم بالإصلاح الشامل، ومؤكدين أن مطالبهم تتضمّن الإسراع بتكليف شخصية لرئاسة الوزراء.

وتتلخص أبرز المطالب التي ينادي بها المتظاهرون باختيار رئيس وزراء وفق المواصفات التي أعلن عنها في ساحات التظاهر، وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة، وإجراء انتخابات نزيهة وعادلة.

وفي واسط (وسط البلاد)، خرجت أعداد كبيرة على وقع الأغاني الوطنية والهتافات مرددين "هذه رسالة من الشعب... الأحزاب وقفوها".

وفي كربلاء، خرج الآلاف إلى الساحات رافعين الأعلام العراقية ومنددين "بفساد الأحزاب".

وفي البصرة أيضاً، خرج المتظاهرون في مسيرات رافعين الأعلام العراقية، هاتفين شعارات ضد أميركا وإيران.

وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلقوا حملة مكثفة، تدعو لتظاهرة مليونية الجمعة، بمناسبة مرور 100 يوم على انطلاق التظاهرات في العاصمة وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية.

وقال أحد النشطاء لوكالة الصحافة الفرنسية، إن "عودة التظاهرات تعكس التمسك بمطالب حراك أكتوبر، وتجديد لمطالب الشعب بأن ترفع الطبقة الحاكمة يدها عن مقدرات البلاد".

ويذكر أن الاحتجاجات التي انطلقت من العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية منذ أكتوبر لا تزال مستمرة، في أطول احتجاجات شهدها العراق على مر التاريخ. وقد سقط خلالها أكثر من 500 قتيل وحوالى 20 ألف جريح، بحسب البيانات الحكومية.

وتجددت الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن في ساحة التربية وسط كربلاء بالعراق، ليل الخميس الجمعة، حين استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع ما تسبب بإصابة عدد من المحتجين.

وفي وقت سابق، وقعت اشتباكات بين قوات مكافحة الشغب وعدد من المتظاهرين في حي البلدية وسط مدينة كربلاء جنوب العراق، وألقت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع لتفريق المحتجين.

وعلى الرغم من طلب رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي من وزير الخارجية مايك بومبيو إرسال وفد لتنظيم انسحاب الجنود الأميركيين، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الجمعة 10 يناير، أن الولايات المتحدة لا تنوي مناقشة "انسحاب القوات" الأميركية مع السلطات العراقية.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية مورغان اورتيغوس في بيان "في هذه المرحلة، أي وفد يتوجّه إلى العراق سيكون مكلّفاً مناقشة أفضل وسيلة لإعادة تأكيد شراكتنا الاستراتيجية، وليس مناقشة انسحاب القوات".

وكانت مصادر سياسية مطلعة في بغداد كشفت أن "فصائل مسلحة تابعة لإيران، اشترطت على رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي الضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها العسكرية من العراق، مقابل التوقف عن مهاجمة المصالح الأميركية في البلاد"، مشيرة إلى أن عبد المهدي استجاب لهذا الطلب فعلا.

المصادر قالت لـ"اندبندنت عربية" إن "اليومين اللذين أعقبا الرد الإيراني على مقتل الجنرال البارز في الحرس الثوري قاسم سليماني في غارة أميركية، شهدا إجراء رئيس الوزراء العراقي اتصالات مع أطراف داخلية وخارجية عديدة"، موضحة أن من بين الأطراف التي تواصل معها عبد المهدي، وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وقادة بارزين في ميليشيات عراقية موالية لإيران.

ودارت الاتصالات حول السبل المثلى لاحتواء التصعيد، بعد الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف قواعد عسكرية عراقية تستضيف جنوداً وخبراء ومستشارين أميركيين، لكنها لم تتسبب في إصابة أي منهم.

وعندما طلب عبد المهدي من زعماء الميليشيات العراقية التوقف عن الأعمال العدائية ضد مصالح الولايات المتحدة وقواتها في العراق، كانت الموافقة مشروطة بعمل الحكومة على إخراج القوات الأميركية.

كان البرلمان العراقي خوّل الحكومة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء الوجود الأجنبي، وهو ما عدّ مخرجاً سياسياً يمنح جميع الأطراف وقتاً كافياً للنظر في مستقبل الوجود العسكري الأميركي في البلاد، لكن إيران لم تقبل بهذا الواقع، وفقاً للمصادر.

وتؤكد المصادر أن طهران ضغطت عبر زعماء الميليشيات العراقية على رئيس الوزراء المستقيل، كي يبدأ إجراءات إخراج القوات الأميركية من العراق، تنفيذاً لوعد المرشد الأعلى علي خامنئي.

كان خامنئي أعلن أن ثَمن رأس سليماني ليس مجموعة الصواريخ التي ضربت مساء الثلاثاء 7 يناير (كانون الثاني) وفجر الأربعاء قواعد عراقية تستضيف أميركيين، إنما هو خروج القوات الأميركية من المنطقة كلياً.

لم يدخر عبد المهدي كثيراً من الوقت، وفاتح مباشرة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في هذا الملف، يوم الخميس 9 يناير (كانون الثاني).

وفقا لبيان رسمي، فقد تلقى عبد المهدي، مساء الخميس، اتصالاً هاتفياً من بومبيو، "تناول التطورات الأخيرة ورغبة مختلف الأطراف منع التصعيد والذهاب إلى حرب مفتوحة".

عبد المهدي أكد أن "العراق رفض ويرفض العمليات التي تنتهك سيادته، بما في ذلك العملية الأخيرة التي استهدفت عين الأسد وأربيل"، مشيرا إلى أن "العراق يبذل جهودا حثيثة ويتصل بكافة الأطراف لمنع تحوله إلى ساحة حرب".

وطلب عبد المهدي من الوزير الأميركي "إرسال مندوبين إلى العراق لوضع آليات تطبيق قرار مجلس النواب بالانسحاب الآمن للقوات (الأميركية) من البلاد"، مشيراً إلى أن "العراق حريص على إبقاء أحسن العلاقات مع جيرانه وأصدقائه في المجتمع الدولي وعلى حماية الممثليات والمصالح الأجنبية وكل الموجودين على أراضيه"، فيما أوضح أن أولويات بلاده "تنحصر بمحاربة الإرهاب وداعش والعنف من جهة، وإعمار العراق وتحقيق النمو الاقتصادي وحماية سيادة البلد واستقلاله والوحدة الوطنية وتحقيق الأمن والاستقرار للعراق والمنطقة من جهة أخرى".

وتحدث عبد المهدي مع بومبيو عن "قوات أميركية تدخل العراق ومسيّرات أميركية تحلّق في سمائه من دون إذن من الحكومة العراقية"، مشدداً على أن "هذا مخالف للاتفاقات النافذة".

ووفق البيان، فقد "وعد الوزير الأميركي بمتابعة الأمر وكرّر احترام بلاده سيادة العراق"، فيما "اتفق الطرفان على أهمية إدامة تطور العلاقة بين البلدين".