غيداء نجار - النجاح الإخباري - في أواخر شهر رمضان المبارك، وحين مرورك من أمام محال بيع اللحوم والأسماك، يلفت نظرك تهافت المواطنين نساءً ورجالا على السمك، وأصواتهم تتعالي متسابقين للشراء خوفا من نفاذ الكمية، وما أن تقترب لترى على ماذا كل هذا الضجيج، لتلمح عيناك أنواع عدة من الأسماك والتي تشتهر باسم الفسيخ.

الفسيخ هو نوع من سمك البوري يتم تجفيفه ووضعه في ملح خشن لمدّة خمسة عشر يوماً أو أكثر حتى يكتسب لوناً فضياً ورائحة مميّزة، ويتم تناوله في بعض الدّول العربية وخاصة فلسطين في أول أيام عيد الفطر وبعد شهر رمضان لفتح قابليتهم لتناول الطعام بعد صيام شهر كامل.

المواطن محمد دبعي أبو رائد (56 عاماً) يقول عن سبب استخدام الفسيخ للإفطار عليه في عيد الفطر "هي عادة قديمة لدى أهل نابلس في أول أيام عيد الفطر، لاعتقادهم بان 30 يوم صيام بنمط غذائي معين بحاجة لغذاء يحافظ به على صحته، وأنا اعتقد بان هذا الكلام غير دقيق ولا يحمل أي معاني طبية، وإنما هي عادة من العادات القديمة ليس إلا، وأنا أرى أن تطبيقها بدأ يقل عن ذي قبل، فالناس في هذه الأيام أكثر وعي، والداي كانوا يطبقون هذه العادة، ولكن أنا لا أطيق رائحته".

وفي الموضوع ذاته يبدي فؤاد رضا حلاوة (81 عاماً) رأيه بخصوص أكلة الفسيخ، فيقول "هي معتقدات، والغالبية العظمى من سكان نابلس ما زالت على هذه العادة، وصحيا هي جيدة لتطهير الجسم والأمعاء، لا سيما أن السمك بشكل عام مفيد لجسم الإنسان".

ويضيف "زوجتي تنتظر العيد بفارغ الصبر حتى تأكل الفسيخ، فهو بالنسبة لها وجبة أساسية في أول يوم من أيام العيد وإذا لم يكن موجودا تشعر بأنه ليس عيدا وبان هناك شيء ناقص".

وبالنسبة لأصل الفسيخ ومن أين أتى فيقول حلاوة: "هذه العادة بالنسبة لنا ورثناها من الآباء والأجداد، أما أصلها فهي جاءت من مصر، عندما كنا صغارا في عام 56 وكنا نذهب للإسكندرية، كنت أرى كيف صلاة الجمعة في فلسطين أو صلاة الأقصى التي يذهب إليها الآلاف من الناس وهكذا كانت أكلة الفسيخ هناك".

ويقول أحد المواطنين أن أول من بدأ بأكلة الفسيخ واعتدّها في فلسطين هم أهل اللد والرملة واللاجئين، وقد أخذوها من المصريين؛ ففي عيد شم النسيم والبيض الملون عند المصريين يقوموا بطبخ أكلة الفسيخ".

أما بائع الفسيخ في البلدة القديمة إبراهيم الأسعد يجد إقبالا كبيرا على الفسيخ وخاصة بآخر يومين من رمضان، ويعلل ذلك بأن الناس للآن ما زالت تطبق عادة تناول الفسيخ في أول أيام العيد.

وبالنسبة لمصدر الفسيخ الذي يجلبه هذا البائع فإنه قبل العيد بأربعة أو خمسة أيام يستورد الفسيخ من مصر أو غزة، ويبيعه بأنواعه المختلفة وأسعاره المتفاوتة كما يلي: الهولندي المقطوع رأسه ويصل سعر الكيلو 30 شيكلا، الماكاريل الكبير وسعر الكيلو 20 شيكلا والماكاريل الصغير 16 شيكلا، والسمك المدخن 50 شيكلا، أما "الناشف" البوري 60 شيكلا".

ومن الناحية الطبية وآثار الفسيخ طبيا وعلاجيا تحدثنا مع الطبيب الباطني درويش العسالي حول أكلة الفسيخ والتي يرى أنها عادة ليس أكثر، وأنه غير مقتنع بفائدتها، ويقول: "للفسيخ مضار على مرضى الضغط، والتهابات المعدة، والاثنا عشر، وتقرحات في القولون، ومرضى القلب أيضا، ويأتي هذا الضرر بفعل وجود أملاح مركزة فيه".

وينصح العسالي الأناس الطبيعيين الخالية أجسامهم من الأمراض بأن يعتدلوا وأن يحذروا عند تناول الفسيخ".

وفي مقابلة مع الحاجة أم علي والتي تستيقظ باكراً كل عيد فطر منذ ساعات الصباح لتبدأ بتحضير الفسيخ، وبإحدى الطرق التي تراها مناسبة، فإما تجهزه مع "قلاية بندورة"، او تضعه مع دقة الزعتر لوحده وتعصر عليه حامضا.

وتؤكد بأن الفسيخ هو أساس كل عيد، وإذا لم يكن فيه فسيخ لا يوجد عيد، وتقول "وعيت على هالدنيا وريحة الفسيخ تفحفح بأول يوم عيد الفطر، فهو لذيذ الطعم كما انه مفيد للجسم فخلال شهر رمضان الجسم يفقد الأملاح أثناء الصيام وبالتالي فان أكلة الفسيخ تعوض له ذلك، كما ان يوم العيد الشخص سينوع بالطعام أثناء تنقله من بيت لبيت وبالتالي فان الفسيخ يصلح وينشط عمل الجهاز الهضمي".