ساري جرادات - النجاح الإخباري -  

داخل محله الصغير في البلدة القديمة لمدينة الخليل، وعلى بعد أمتار من الحرم الإبراهيمي الشريف، تفوح من المكان كيمياء الأصالة والعراقة، وأنت تمتع ناظريك بجمالية مشاهد الأبنية، الضاربة بشموخها السنين، محله الصغير هذا بني في عهد المماليك قبل 700 عام تقريبًا، وفق قول مالك المحل.

يعمل المواطن الخمسيني محمد عواودة منذ 33 عامًا في الرسم بواسطة الرمل داخل مجسمات الزجاج، وهو متزوج ولديه ست أبناء، ثلاث منهم يتلقون تعليمهم الجامعي، اثنتين علمهم الرسم، وقرر قبل 7 سنوات ترك عمله بالرسم في الأردن والعودة لفلسطين، لأن مسقط الرأس غالي كما يقول.

توجه أبو سعد للدراسة الجامعية في الأردن بعد نجاحه في الثانوية العامة وسط سيل من الأفكار تغزو رأسه بنوع التخصص، وأضاف لمراسلنا "توجهت إلى مدينة العقبة لزيارة أحد أقاربي المتواجد هناك، في السوق شاهدت محلًا خاصًا بالرسم باستخدام الرمل، طلبت منهم تعليمي لكنهم قابلوني بالرفض والطرد.

يضيف "سردت قصتي لقريبي الذي قصدته بزيارتي، حتى ضحك عليه مطولًا، ولم يشجعني مطلقًا على رغبتي تلك، وخرجت في أحد الأيام لشراء علبة سجائر وشاهدت لافتات ترحب بزيارة الملك الراحل "حسين" للمحل الذي طردني أصحابه، حيث طلب منهم الملك ضرورة تعليم هذا الفن بالجامعة.

يتابع "مضى أسبوعين حتى قرأت إعلانًا في إحدى الصحف الأردنية عن دراسة تخصص الرسم بالرمل في الجامعة الأردنية، وعلى الفور توجهت وسجلت ودفعت المستحقات المالية وبدأت دراستي، وكانت أولى رسوماتي هي مشهد طردي من المحل، وأهديتها للمدرب، وأخبرته بالقصة فتذكرني وأصبح بعدها من أعز أصدقائي".

أبو سعد الذي شارك في معارض خاصة بالرمل في الأردن والإمارات وقطر والكويت، ورومانيا واستراليا والنمسا، وعدة دول افريقية، وعرضت العديد من رسوماته في العديد من دول العالم، يشكو سوء الحركة التسويقية في مدينة الخليل، بسبب إغلاق الإحتلال وتضييقه على المواطنين من الوصول بحرية للبلدة القديمة.

وقال: "في الأسبوع الماضي لم يتجاوز مجموع مبيعاتي 300 شيكل، الحركة التجارية متذبذبة وفي أيام كثيرة لا أستطيع تعويض مواصلاتي وتأمين قوت يومي، ويتراوح سعر القطعة الواحدة من 20 إلى 500 شيكل، وهناك رسومات تحتاج لعشر دقائق وأخرى ليومين ونصف".

يرسم أبو سعد الغروب والسماء الزرقاء والليل والوجوه، إضافة إلى أنه استطاع إجادة اللغة الإنجليزية بطلاقة، وحفظ مصطلحات كثيرة في اللغات الفرنسية والروسية والألمانية بسبب استضافته للعديد من المتطوعين والمتضامين الأجانب والزائرين الأجانب لمدينته، وتناولهم معه لمشروب القهوة العربية السادة، أحد أهم العادات الفلسطينية المتوارثة عبر الأجيال.

يعمل  أبو سعد على تلوين الرمل عبر إضافة بعض الأصباغ عليها، لتصبح رسوماته أقرب للواقع، وبعد الانتهاء من مرحلة تعبئة الرمل عبر أنبوب خاص، يقوم بتحريك حبيبات الرمل بواسطة سلك نحاسي، والمرحلة الأخيرة تكون عبر ضغطه بواسطة الضرب على الزجاجة، كي تبقى بذات الشكل طوال العمر.