وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - دخل وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، بعد حوالي 5 أيام من القصف ومن إلقاء القنابل والصواريخ مع ما تحويه من مواد كيميائية قديمة وجديدة ومن كل الأنواع، ومع ذلك تبدأ عملية تقييم ما حدث من دمار وخراب ومن تداعيات، ورغم أنه سيكون من السهل إحصاء أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين، وعدد البنايات والمنازل التي تم هدمها أو قصفها، ونوعية البنية التحتية من شوارع ومصانع وشبكات مياه وكهرباء التي تضررت، إلا أن طبيعة التداعيات بعيدة المدى، سواء أكانت صحية أو بيئية، سيكون من الصعب تحديدها أو التعامل معها الآن.
فمن المعروف أن الأوضاع البيئية في قطاع غزة وما يرتبط بها من تداعيات صحية على شكل أمراض ووفيات، كانت قاتمة قبل هذا العدوان الأخير، سواء من حيث تلوث مصادر المياه وأكثر من 90% منها هي مياه جوفية، والهواء والتربة والمياه العادمة واستخدام المبيدات في الزراعة المكثفة أو من خلال الكثافة البشرية الهائلة التي تتواجد في حيز جغرافي ضيق، والتي من الصعب إيجاد مثلها في العالم.
وحسب ما شاهدنا من خلال شاشات البث المختلفة وبشكل مباشر خلال أيام العدوان على قطاع غزة، فقد تم إلقاء عشرات الأطنان من المواد المتفجرة وما تحويه من مئات أو الآلاف من الكيلوغرامات من الكيماويات المختلفة، التي تكون أو ستكون قد وجدت طريقها إلى الأرض والجو والمياه والطعام والبشر في منطقة جغرافية تبلغ مساحتها حوالي 365 كيلومترا مربعا، وتعتبر الأكثر كثافة في العالم.
ومعروف كذلك أن المصادر الطبيعية في قطاع غزة، من مياه وتربة وارض أو حيز هي محدودة، وبأن هذه المصادر هي ليست بالحال الأفضل، سواء أكانت المياه الجوفية، أو التربة، أو تلوث مياه البحر، أو الحيز الجغرافي من حيث انتشار النفايات الصلبة والمياه العادمة، وانتشار السيارات القديمة، وبالتالي إمكانية تلوث الهواء، وكذلك ضعف أو غياب القوانين البيئية الملزمة وضعف التوعية البيئية الكفيلة لإيلاء البيئة في غزة الاهتمام الكافي.
ومن ضمن التأثيرات البيئية المتوقعة وبعيدة المدى للعدوان الأخير على قطاع غزة، هو احتمالات تلوث المياه، ومعروف أن اكثر من 95% من المياه في بلادنا هي مياه جوفية، وقبل الحرب الحالية، أشارت تقارير إلى أن اكثر من 90% من المياه في قطاع غزة  ملوثة، ولا تصلح للاستخدام حسب المعايير الدولية، وتتلوث المياه في غزة بالمواد الكيميائية، سواء الناتجة من المياه العادمة، أو من المبيدات والأسمدة الكيميائية، أو من مشتقات البلاستيك والمواد الصناعية الأخرى، ومن ثم تتسرب من خلال التربة الرملية إلى مصادر المياه الجوفية، وبعد هذه الحرب يمكن تصور الكميات الكيميائية الإضافية التي تم إلقاؤها إلى التربة، وبالتالي احتمالات وصولها إلى مصادر المياه، وزيادة الوضع سوءا بالمقارنة ما كان عليه قبل الحرب.
وشاهدنا من خلال الصور التي تم بثها وبشكل مباشر، سحب الدخان الهائلة بما تحويه من مواد كيميائية سامة، والتي كانت تتصاعد إلى الهواء، ومن ثم احتمال تلويثه، وبالإضافة إلى ذلك فإن معظم بقايا المواد التي تم إلقاؤها على قطاع غزة تبقى في التربة أو على الأرض، وبالتالي تزيد من معضلة النفايات الصلبة وفي هذه الحالة النفايات الصلبة الكيميائية الخطيرة، وكذلك ومن خلال تراكمها في التربة تحد وبالتدريج من خصوبة هذه التربة وبالتالي تحد من قدرتها على إنتاج الطعام أو الزراعة فيها، ومن المحتمل كذلك أن تصل هذه المواد الكيميائية بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الغذاء الذي سوف يتم استهلاكه من الناس وما إلى ذلك من آثار صحية، وبالأخص الآثار الصحية بعيدة المدى التي تظهر على شكل أمراض غير سارية أو مزمنة.
حيث تشير التقارير السنوية الأخيرة لوزارة الصحة الفلسطينية إلى أن أمراض السرطان على سبيل المثال تشكل السبب الثاني للوفاة في فلسطين، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، وتزداد نسبة هذه الأمراض كل عام بشكل واضح ومزعج، ومن الواضح أن هناك عوامل بيئية خارجية تدخل على النظام البيئي الفلسطيني، يمكن أنها تساهم في هذا الازدياد، سواء أكانت هذه العوامل ملوثات كيميائية أو غيرها، وسواء جاءت نتيجة الاستخدام الزراعي أو الصناعي، أو ربما بفعل عوامل أخرى، منها الحروب الأخيرة على قطاع غزة في الأعوام 2008 و2012 و2018، 2021، والآن في العام 2023.  
ومع انقشاع غبار العدوان على قطاع غزة والبدء في تقييم الخسائر والآثار، فإن التقييم البيئي أو التداعيات البيئية للعدوان يجب عدم إهمالها أو الاستهتار بها، مع العلم أن الوضع البيئي في قطاع غزة قبل بدء الحرب الأخيرة، كان من السهولة وصفه بالوضع الكارثي، وبالتالي يمكن تصور التداعيات البيئية القاتمة بعد وصول أطنان من المواد الكيميائية إلى النظام البيئي خلال هذا العدوان، ولذا فإن المطلوب اعتبار تقييم الأوضاع البيئية في قطاع غزة بعد العدوان من الأولويات، سواء أكان ذلك من قبل الجهات الرسمية من وزارات مختلفة وعلى رأسها سلطة جودة البيئة أو من قبل المنظمات المحلية والدولية العاملة في مجال البيئة، وبالتحديد تقييم الآثار البيئية والصحية بعيدة المدى المتوقعة بسبب هذا العدوان.