وكالات - رجب أبوسرية - النجاح الإخباري - لم يخرج ما وقع خلال الأسبوع الماضي من أحداث ومواجهات ميدانية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في القدس ومحيطها، عما كان متوقعا، لجهة وقوع المواجهة من حيث المبدأ، لكن في التفاصيل هناك الكثير مما يمكن أن يقال، والذي يمكن تلخيصه، بأن جبل إيتمار بن غفير، وزير ما يسمى الأمن القومي الإسرائيلي، قد تمخض عن فأر، ذلك أن إرادة المواجهة الفلسطينية التي ظهرت جلية وواضحة وصريحة، ألجمت التطرف الإسرائيلي، وحتى أنها أخرسته، بحيث تلعثم في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من مكان.
وقد كان الأسبوع الماضي، تحديدا الأيام الممتدة ما بين يومي الأربعاء من الأسبوع الماضي، واليوم الثلاثاء، أياما لعيد الفصح عند اليهود، وهو جاء عبر شهر رمضان المبارك، لذا فإن مناسبة عيد الفصح هذا العام، كان متوقعا أن تشهد كما وقع فعلا في الأعوام الماضية، مواجهة أكثر حدة، نظرا إلى أن وزير الأمن الداخلي، المسؤول عن الشرطة الإسرائيلية، التي تنظم عادة اقتحامات المستوطنين للحرم القدسي الشريف،  هو الذي عرف وتميز باقتحاماته المتطرفة للحرم نفسه، أيام كان عضو كنيست فقط، لذا توقع الجميع - ونحن منهم بالطبع - أن يطلق الوزير المتطرف العنان للمتطرفين من المستوطنين، في ظل حماية رسمية من قبل الشرطة ميدانيا، وحتى من قبل الحكومة نفسها، لاقتحامات غير مسبوقة، ربما تكون مترافقة مع ذبح القرابين داخل الحرم، وهو ما زالت تحاول جماعات الهيكل تنفيذه، على مر الأعوام السابقة دون أن تنجح.
وقد بدأ التوتر فعلا مساء الأربعاء الماضي، لكن صمود المرابطين والمعتكفين أولا، وتدافع المصلين ثانيا، ثم التفاف الشعب الفلسطيني بقيادته وسلطته وفصائله، حول الأقصى كجامع لا مثيل له، جعل من إرادة التصدي والمواجهة لاقتحام متطرف أو غير مسبوق، أمرا يفتح أبواب جهنم، وما أن أقدمت شرطة بن غفير على ضرب واعتقال وإفراغ الحرم من المرابطين والمرابطات خاصة من الجهة القبلية، ومن باب السلسلة، حتى بدأ فتح أكثر من جبهة في وقت واحد، بدأ ذلك بإطلاق صواريخ غزة على مدن الغلاف، ثم كانت المفاجأة بإطلاق صواريخ الكاتيوشا وغراد المعروفة جيدا لدى الإسرائيليين باقترانها بالفدائيين والمقاومة الفلسطينية حين كانت موجودة في لبنان، ثم ترافق ذلك بتنفيذ عملية  بكل المقاييس، في الأغوار، ونجاح منفذيها بالهرب، كذلك جاءت ضربة أخرى داخل تل أبيب، ثم أخيرا فتح جبهة الجولان المغلقة منذ عقود، وذلك رداً على استباحة إسرائيل لكل سورية برا وبحرا وجوا، أي باختصار، تم فتح كل الجبهات المحيطة بإسرائيل، التي أدركت أنه لا يمكنها أن «تنفرد» بالقدس، أو بالمرابطين في الأقصى.
وقد جاءت الردود الإسرائيلية بما يؤكد تآكل قوة الردع الإسرائيلية بما لا يدع مجالا لأي شك، فهي أولا جبنت تماما عن تحميل حزب الله مسؤولية الصواريخ التي أطلقت من لبنان، رغم أنها اعتبرتها أسوأ حدث أمني منذ العام 2006، وحتى وهي تحمل حماس مسؤولية إطلاق تلك الصواريخ، ردت عليها بإطلاق صواريخ على محيط صور ومخيم الرشيدية الفلسطيني، دون أن ينجم عن ذلك إلحاق خسائر بشرية أو حتى إحداث دمار للمنازل أو البيوت أو المنشآت.
وجاء الرد الإسرائيلي على رشقات الصواريخ التي انطلقت من غزة، ورغم تهديد بن غفير بقطع الرؤوس، أي باغتيال قيادات من حماس والجهاد الإسلامي، ورغم أن إسرائيل أعلنت عن إسقاط 50 طن متفجرات على غزة دون أن تلحق خسائر بشرية، ولا حتى دمارا معتادا ضمن الغارات الإسرائيلية سابقا، أي أن استهداف أبراج أو عمارات أو منازل لم يقع أيضا.  
أما الرد على العمليتين في الأغوار وتل أبيب، فليس ممكنا من الجانب الإسرائيلي، إلا بالرد المحدد، أي الذي يستهدف المنفذين أشخاصا بقتلهم ميدانيا، أو بتحييدهم كما يقول المصطلح الإسرائيلي، وأقصى ما يمكن أن تفعله إسرائيل هو تدمير منازل المقاومين حين تنجح في تعقبهم واغتيالهم أو اعتقالهم، ما لم تنجح فيه حتى الآن فيما يخص عملية الأغوار.
برأينا - أن أهم وأخطر ما وقع خلال مواجهة الأسبوع الماضي، التي أظهرت نجاحا فلسطينيا ظاهرا في ردع قوة البطش والقهر الإسرائيلية، هو تعدد الجبهات، ووحدتها، بحيث يمكن القول إن ما أعلنه «الجهاد» قبل أشهر من إستراتيجية مقاومة قائمة على أساس وحدة الجبهات، قد بدأ يأتي أكله، خاصة مع دخول حماس مربع المواجهة الميدانية، بعد تردد استمر خلال الفترة السابقة، بسبب رغبتها في الحفاظ على قطاع غزة، وتجنيبه ردات الفعل الإسرائيلية، حيث كان لأكثر من عقد من السنين، بمثابة كيس الملاكمة بالنسبة للإسرائيليين، وحقيقة الأمر أيضا، أن تآكل قوة الردع الإسرائيلية، يعود إلى التقدم على طريق المقاومة والمقارعة، فإسرائيل لم تنجح في تفريغ الضفة الغربية رغم مرور أكثر من عام متواصل على عمليتها المسماة «بكاسر الأمواج» من المقاومين، الذين ينتظمون في شبكة أفقية، أي دون تنظيم هرمي، ومعظمهم يقاومون بدافع فردي، أي كرد فعل على قهر الاحتلال الإسرائيلي.
ولا شك أيضا في أن الاضطراب الداخلي الإسرائيلي، قد ساهم إلى حد ما في ضعف القوة العسكرية الإسرائيلية، التي تعجز عن مواجهة الإرادة الشعبية الفلسطينية التي تقاوم بالصلاة والصوم والاعتكاف في الحرم، فما بالنا وهي تطلق «عنترياتها الجوفاء» ليل نهار مهددة إيران وغيرها بقوتها العسكرية، وهذا يؤكد أن إسرائيل حين تهدد إيران وغيرها، فإنما تهددها بالعصا الأميركية وليس بقوتها، التي هي أضعف مما يتخيل  من يرفعون رايات التطبيع البيضاء في وجه الدولة المارقة.
وقد كان إخفاق الحكومة الإسرائيلية، في تجنب المواجهة الميدانية، رغم أن العقلاء ممثلين بالأردن ومصر ومعهما الولايات المتحدة، قد تحركوا مبكرا، من أجل هذا الهدف في العقبة وفي شرم الشيخ، كان مناسبة لإطلاق المعارضة الإسرائيلية انتقاداتها الحادة لحكومة بنيامين نتنياهو وبشكل خاص  لبن غفير، فقد قال زعيم المعارضة يائير لابيد، إن من عهد بمسؤولية «المسجد الأقصى»، لبن غفير - يقصد نتنياهو، كان يعلم أن ذلك سيؤدي إلى كارثة، أما أفيغدور ليبرمان، اليميني والذي تولى وزارة الأمن في عهد واحدة من حكومات نتنياهو السابقة، فقد اعتبر أن الردع الإسرائيلي مقابل حزب الله قد تآكل تماماً، في حين أن الرد على إطلاق الصواريخ من غزة كان نكتة مضحكة، واعتبر ليبرمان أن نتنياهو جر إسرائيل خلال ثلاثة أشهر إلى الانهيار من الداخل وإلى العزلة الخارجية، مشيراً إلى الجدل الداخلي حول إصلاح القضاء، وإلى العزلة الخارجية الناجمة عن وجود التطرف في الحكومة ممثلاً ببن غفير وبتسلئيل سموتريتش، أي أن المعارضة الإسرائيلية وجدت ملفا آخر أو بندا سياسيا آخر غير ملف حرب الحكومة على القضاء، لتوجه انتقاداتها لحكومة نتنياهو السادسة.
وقد نجم عن ذلك تقدم المعارضة في آخر استطلاع للرأي حل بموجبه حزب الليكود في المرتبة الثالثة بعد حزبي بيني غانتس ويائير لابيد، وقد أظهر الاستطلاع قدرة المعارضة على تشكيل حكومة بـ64 مقعدا، من أحزابها التي شكلت حكومتها البديلة السابقة، فيما حصل العرب على 15 مقعدا، منها خمسة مقاعد لحزب عباس منصور الذي شارك في الحكومة البديلة السابقة.
أما الإعلان الإسرائيلي عن منع الاقتحامات خلال العشر الأواخر من رمضان، فرغم أنه عمليا لا يعني الكثير، لأن عيد الفصح جاء قبل تلك الأيام، مع ذلك فهو يؤكد أن إسرائيل، صارت «تسحب ناعم»، وأنه يمكنها بالمستوى الرسمي فعلا منع الاقتحامات والالتزام بالوضع التاريخي للمقدسات الإسلامية والمسيحية، والإعلان جاء رضوخا لواشنطن وعمان على نحو خاص. أما معارضة بن غفير لهذا الموقف، فهو حاول تعويضها مع توأمه في التطرف سموتريتش في مستوطنة «أفيتار» بنابلس، بعد أن خرج من مواجهة الحرم القدسي مهزوما.