وكالات - حسن البطل - النجاح الإخباري - في "لوحات" إيزابيل دي لاكروز هناك الجميل والأجمل.. لا غير. وتتولّى ستٌّ وعشرون لوحة إقناعك، بسهولةٍ وبإفراط، أنّ عيناً ثاقبة، وحِسّاً رهيفاً.. ويداً محترفة، ستجعل من "اللقطة" لوحة تشتهي تعليقها على جدار بيتك، لتُثير حتى حسد المطرّزات الفلسطينية.. وتجعل صُوراً فلسطينية سياحية فاقعة البلاهة تتوارى خجلاً.
حقّاً، متى تتم فلسطنة الجمال، أو تجميل الفلسطنة الطاغية؟ متى نحن نتذوّق جمالنا نحن والمكان.
تُعلِّمنا لوحات - لقطات إيزابيل على جُدران مركز السكاكيني في رام الله، أن سؤالا متى يجد جوابه في سؤالٍ آخر: كيف؟
وتُعلِّمك هذه الفلسطينية بالزواج (من فلسطيني ومن الحسّ الجمالي بالأرض الفلسطينية) أن حُبّ المشهد الجميل الفلسطيني لا يكفي، دون أن تحترمه. ومن أجل أن تحترمه إيزابيل تمنحه اليد الاحترافية، وحسّ الرهافة.. وسداد الرؤية.. وتقول مع ذلك: “شعرتُ بنقصٍ في إحساسي الجمالي”؟!
أكانت إيزابيل تستطيع "التقاط لحظات تجسّد روح فلسطين"، لولا عُروق الذهب في تكوينها الشخصي - الثقافي؟ فهي ألمانية لجهة الأب، وبيروفية لجهة الأم.. وأميركية لجهة التكوين الأكاديمي.. ومُجرِّبة بعد خبرتها مع شبكات التلفزة الكبرى، أميركية وأوروبية.. وأخيراً، حصلت على امتياز مُلامسة جرح الفلسطيني بعملها مع وكالة الغوث في مقرّها المقدسي.
آنذاك، يصبح لمقوُمات شخصية إيزابيل الثقافية - الإنسانية ما يُمكّنها من العزف البارع على مفاتيح الجمال المقدسي السرّي البهاء.. فيصير حييّاً وساطعاً معاً.
مثلاً، كم رأيتُ وكم رأيتم من صور لمسجد قبة الصخرة المشرفة. لكن مثل لوحة - لقطة من إيزابيل لم أرَ ولم تروا. كأن أسوار القدس خطّ أفق، ومن ورائه تبزع "شمس القبّة" .. لتعطيك كامل بهاء الانبلاج الذهبي على خلفية سماء كالبحر، أو بحر كالسماء.
هل قرأتَ تعبيراً أدبيّاً عن مُشابهة ما (رسمبلانس = تبادي) بين تلال أريحا الصفراوية الجرداء وبين جُرود وجه القمر و"العُرجون القديم"؟ تكفي لقطة رهيفة من عينٍ ثالثة تملكها إيزابيل لتجعلك ترى أجمل بكثير ممّا تقرأ عن الجمال.
أحياناً تقودك عدستها، مُنصاعاً تماماً، إلى أغوار عين أُنثوية فلسطينية واحدة يحرسها حاجب رحيم كأنه السيف العربي في غمده.. ثم، إلى لقطة من فوق لجمهورٍ كثيف في مُنعطف من مُنعطفات أزقّة خليل الرحمن العتيقة. بل، حتى ربطة حمراء تلجم شعراً فاحماً، تقول لك إن جدّتك لا تربط شعر ابنتك هكذا.. عبثاً.
وإيزابيل البارعة في التقاط التفصيل، وتفصيل التفصيل، تأخذك، بطرفةِ عين، إلى رحابة المدى الفلسطيني، وتأخذك إليه في رابعة النهار "برهلة مُلوّنة" أو وقد أرخى الليل سُدوله. فهي لا تقلّ شطارةً في التقاط اللون، عن شطارتها في التقاط الظلال (اللوحات بالألوان الطبيعية جدّاً أو بالأبيض والأسود “الطبيعيَّين”، أيضاً).
هل تجوّلت في كنائس القدس؟ نعم. لكن هل التقطت عينك تفاصيل "خربشات" من علامات "الصليب" حفرها المُؤمنون كيفيّاً، فإذا بتجاور الشخبطات هذه يغدو أقرب إلى لغة لا يفكّ رموزها أحد، أو لا يحتاج أحد لفكّ رموزها.. بل "يقرأها" كما يشتهي.
وتستطيع عدسة إيزابيل أن تجرّد شاطئ غزة من أجمل عنصريه الجميلين: الأزرق البحري بتدرُّجاته، والأصفر الرملي بتموُّجاته.. ونكتفي بشبكة صيّاد لتقنعك أن السفينة (أو عينيك) تستطيع أن تمخُر عُباب البحر.. وكذا كثبان الشواطئ.. كل ذلك بلقطة أسود/ أبيض.
62 لوحة - لقطة تضع في يديك مفاتيح نسيتها لتتذوق علم جمال المكان الفلسطيني، وجمال إنسانه، أيضاً.. وجمال تقلُّبات الجوّ الفلسطيني من مُشرق ساطع، إلى مربد، أو "جوّ صِرّ" كما عنوان لوحة.. وليس جوّاً عاصفاً أو طقساً رديئاً.
يُذكّرنا العنوان الأخير، بالعناية الجميلة لإدارة المركز للقطات الجمال الفلسطيني المعلقة على جدرانه الحجرية النافرة.
قبل معرض "فلسطينيات" بعدسة إيزابيل، أتحفنا المركز بلوحاتٍ من التشكيل الرُّوسي الحديث. وقبل ذلك رأينا على جُدرانه بيوت بيت لحم القديمة، كما لا ننجح في رؤيتها من شوارع بيت لحم.
وهكذا، شيئاً فشيئاً يقوم مركز السكاكيني بـ "نحت"الذائقة الجمالية الفلسطينية، أو "طبخها" من جديد على نار هادئة.
نحن نُحبّ فلسطين. لكن، حتى نُحبّها حُبّاً يوفيها حقّ الجمال، فالأفضل أن تذهبوا إلى مركز السكاكيني.. وبانتظام إن أمكن.