شبكة النجاح الإعلامية - منال الزعبي - النجاح الإخباري - الذئب المفرد.. ليس فيلمًا سينمائيًّا، إنّما هو اسم أطلق على عملية معقدة، تلاشت خيوطها، وحبكت تفاصيلها، فاعلها فرد واحد خطَّط ونفّذ دون اللجوء لهاتفه الذكي، فلم يستخدم أي وسيلة تكنولوجية تدل عليه، أو حتى سيارة تنقله لمسرح الجريمة فترصدها كاميرات المراقبة الشاخصة في الشوارع لا تكل ولا تنام، فكان ذئبًا منفردًا أنهى حياة الشاب إياد عبيد برصاصات غادرة من مسافة صفر، في عقر بيته وأمام أعين عائلته وولى هاربًا.

في تفاصيل عملية بحث وصفت بالمعقّدة صرّح مدير عام المباحث العامة في الضفة الغربية العميد إياد اشتية، بأنَّ جهدًا كبيرًا بذل خلال أربعة أيام، من خلال عمل مشترك بين فرق التحليل، وفرق مسرح الجريمة، والمباحث، وفرق الجرائم الإلكترونية، حتى تمَّ تجميع الخيوط وكشف ملابسات الجريمة.

وأضاف في حديثه اليوم الأحد عبر إذاعة صوت النجاح، "إنّها جريمة بشعة هزت فلسطين بشكل عام ونابلس على وجه الخصوص، إذ وضعت بين أيدينا قتيلًا لفظ أنفاسه الأخيرة بحضن ابنتيه، ما يمنحها الخصوصة من الجانب الإنساني والجنائي على حدّ سواء".

ولفت اشتية إلى أنَّ مشهد أب فارق الحياة مقتولًا ملطخًا بالدماء بعيون طفلتيه أثَّر به شخصيًّا، فأخذ على عاتقه كشف القاتل مهما كلّف الأمر، فهمس بأذن الطفلة معاهدًا بجلب قاتل أبيها لعلّه يسكن قلبها.

الكاميرا الأخيرة .. النبأ اليقين

وفي تفاصيل القضية قال إنّ الأجهزة الأمنية هبّت منذ اللحظة الأولى، رغم ضبابية المشهد، وغياب التفاصيل، وتخفي خيوط الجريمة إلا أنّه تم سحب أكثر من 600 كاميرا في محيط مسرح الجريمة، وتتبعها بالتفصيل.

وأضاف: تحرك المجرم بين عمارات سكنية مأهولة، وتمت العملية ليلًا، مشى في الشوارع الفرعية والرئيسة، تربّص للمغدور ولحقه فور وصوله، أطلق النار عليه من مسافة صفر أمام منزله، ما أدى لإصابة بليغة توفي إثرها، إحدى بناته كانت قرب الشباك فرأت كل ما حدث، ولفظ أنفاسه في الطريق إلى المستشفى.

وتابع .. لم تكن هناك معلومات دقيقة، وتاهت خيوط الجريمة، كاميرات المراقبة رصدت صورًا غير واضحة لشخص بدى متخفيًّا، إلا أنَّ جهودًا كثيفة متواصلة، وكاميرا أخيرة حملت النبأ اليقين بعد جمع بعض التفاصيل وربطها وصولًا إلى القاتل.

 على الفور تم القبض على القاتل، أحمد الشولي من عصيرة 35عامًا، وتمَّت مصادرة أداة الجريمة وهي سلاح من نوع كارلو، كان قد دفنها في محيط منزله.

أحمد الشولي من عصيرة الشمالية -قاتل إياد عبيد 

أمّا الدوافع لارتكاب الجريمة فاكتفى اشتية باعتراف القاتل بأنَّها جاءت على خلفية شجار وقع بينه وبين عبيد منذ شهر تقريبًا، حيث تلقى القاتل لطمة على وجهه من إياد عبيد أمام حشد من الناس، فأسرّها الشولي في نفسه، وعقد النية للانتقام فكان ما كان.

وأشار اشتية إلى أنَّ قضية عبيد لاقت صدىً واسعًا في الشارع الفلسطيني، حيث تعاون المواطنون بتقديم المعلومات وفتح أبوابهم للأجهزة الأمنية في ساعات متأخرة من الليل؛ لسحب محتوى كاميرات المراقبة، مؤكّدا وقوف الأجهزة الأمنية بوجه الجريمة ومكافحتها لخلق حالة من الأمن والاستقرار.

وناشد المواطنين بعدم التواني عن تقديم أي معلومات تخدم الأمن، والتوقف عن الإشاعات والتشتيت وترك الأمور لأهلها، لافتًا إلى أنَّ الإشاعات تداولت أسماء أشخاص لا علاقة لهم بالأمر، وهذا من شأنه إرباك الجهود المبذولة وتأخيرها، مؤكّدا على أنَّ الأجهزة تأخذ كل ما يرد من إشاعات إلا أنها تمحصها وتبحث في التفاصيل.

وعن سبب شيوع الجرائم مؤخرًا قال اشتية: "إنَّ مستوى الجريمة في فلسطين متدن، ولم نصل لدرجة الخطورة إلا أنّ الفضاء الإلكتروني ساهم في إيصال أخبارها لمسامع الناس وتسميعهم ما لم يكن بإمكانهم الاطلاع عليه سابقًا".

وأضاف: "العام السابق كان لدينا 44 جريمة قتل منها 37 جريمة لفلسطينيين و7 جرائم لحاملي الهوية الإسرائيلية، تم اكتشافها بالكامل".

وأوضح اشتية أن تعقيدات الوضع الفلسطيني في مناطق a، b، c  وانتشار بعض المجموعات المسلحة تساهم في وقوع الجرائم، وتصعّب الموقف.

بدوره دعا المتحدّث باسم عائلة عبيد د. صبحي عبيد، السلطة الوطنية والأجهزة الأمنية بفروعها إلى لم السلاح المنفلت الذي لا يخدم إلا الاحتلال، وهو العدو الوحيد، ويستخدم في فرض الخاوات والثارات.

وكان لصبحي عبيد الدور بفتح باب العزاء بفقيد العائلة تقديرًا لجهود الأجهزة الأمنية، بقوله: "الأجهزة الأمنية هي جزء من النسيج الاجتماعي الفلسطيني، ودورها الأمن والحماية"، مثمّنًا الدور العشائري بقوله: "أهل الحلول العشائرية هم إطفائيات المجتمع، وهدفهم نبيل إلا أنَّ عليهم التزام النهج السليم وعدم استخدام المصالح الشخصية، ولا بد من فسح المجال للقانون ليأخذ مجراه، على أن يكون القضاء حاسمًا في قطع دابر الجريمة وتحقيق شرع الله بالقصاص من القتلة وعدم تعطيل أحكام الله تحت أيّة ذريعة".

وشدَّد عبيد على أنَّ القاتل هو أنسان حاقد مجرم، ولا بد أن يلقى القصاص العادل، حفاظًا على المجتمع الفلسطيني الذي يرفض الرأفة بالجناة، ولا يميل إلى الأحكام المخففة، على حدّ قوله فهي تضرب النسيج الاجتماعي وتهدد أمن المجتمع.

مطالبات بالإعدام 

ووسط نداءات شعبوية بإقرار حكم الإعدام بحق القتلة، أكّد القاضي السابق أحمد الظاهر أنَّ عقوبة الإعدام في فلسطين موقوفة بالأمر العسكري رقم 268 منذ سنة 1968، متسائلًا لماذا حتى الآن نطبّق أوامر عسكرية؟

وأوضح أنّه حسب المادة الرابعة من المادة 18 من اتفاقية أوسلو، استثنت سلطة المجلس التشريعي من تعديل أو إلغاء أيَّة أوامر عسكرية بهذا الخصوص؛ لذا فهي ما زالت سارية ومن ضمنها وقف عقوبة الإعدام.

قال القاضي الظاهر: "لدينا نصوص قانونية وجوبية القاضي ملزم بتطبيقها بعد أن تنتهي المباحث العامة من إجراءاتها وتحيل الملف للنيابة العامة، ثم إلى المحكمة، وعند الوصول إلى ختام إجراءات المحاكم نصبح أمام خيارين، القتل العمد وحكمه 15 عامًا، والقتل غير العمد وله أحكامه حسب ظروفه.

وأشار إلى أنَّ التدخل العشائري بهذا الجانب يأتي لوقف أيّ مظاهر انتقام لكن القانون يضمن أن يغلَّ كل طرف يده عن التدخل بالقضية ويترك القانون يأخذ مجراه، فإنَّ الجهود الحثيثة من المباحث العامة يجب ألا تضاع.

بدوره المصلح الاجتماعي العشائري مازن دويكات قال إنّ الدور العشائري يأتي لرتق شرخ حاصل بالنسيج الاجتماعي الفلسطيني، بهدف حفظ السلم الأهلى وحصر المشكلة، لافتًا إلى أنَّ كل من يخل ويرتكب الجرائم هو كالغرغرينا في عضو من جسد الإنسان وجب قطعه، مطالبًا بإيقاع أقسى العقوبات بحق كل قاتل، من باب القصاص وإحلال العدالة وردع الجناة.

ونقل موقف أهالي بلدة عصيرة وإجماعهم على بشاعة فعلة القاتل ابن بلدتهم، إذ طالبوا قوى الأمن في محافظة نابلس بإيقاع أقسى العقوبات بالقاتل، وكل من يتسبب بإزهاق نفس بشرية،  

عائلة عبيد المكلومة ثمّنت دور الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض على القاتل، وإن كان أي عقاب لم ولن يغلق جرحها النازف بفقد شاب ترك خلفه طفلتين، وزوجة، وأم مكلومة عبّرت عن نفسها إثر صدمة لم تفق منها بعد بمنشور قالت فيه:

May be an image of 2 people, child and people standing
طفلتا المغدور لارا وشام إياد عبيد