وكالات - طلال عوكل - النجاح الإخباري - يعيش العالم بأسره مرحلة اضطرابات، وصراعات مصالح، وحروب تتجاوز الأوضاع الدولية التي سادت قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية. تنبئ هذه الأوضاع، باتجاه النظام الدولي، نحو التغيير، والتخلي عن ميكانيزمات النظام الدولي السائد منذ سقوط وتفكك النظام الاشتراكي الذي مهد الطريق أمام سيطرة الولايات المتحدة على مقاليد هذا النظام.
من الواضح أن الولايات المتحدة، تقاوم بشدة دفاعاً عن النظام الآيل للسقوط، وعن مكانتها على رأس النظام الدولي، ومكانة الدولة الأقوى والأعظم. كانت السنوات الأربع التي فاز دونالد ترامب خلالها بمقعد رئاسة الإدارة الأميركية، قد وضعت الولايات المتحدة في موقع صعب حين تجاهلت الدور التاريخي الذي تلعبه أوروبا الغربية، في إطار المحافظة على استقرار النظام الدولي، حيث اتخذ جملة من القرارات والإجراءات الاستفزازية للاتحاد الأوروبي، واعتقد انه سيرغم الأوروبيين على تكييف استراتيجية دولهم، بحيث تصبح جزءاً مطواعاً من استراتيجية الولايات المتحدة، على حساب استقلالها ومصالحها الخاصة. خاضت إدارة الرئيس ترامب حروبا اقتصادية وتجارية، في كل اتجاه حتى لم يبق للولايات المتحدة من الحلفاء والمقربين إلا إسرائيل ما وضع إدارة الرئيس جو بايدن أمام تركة ثقيلة لإعادة تموضع البلاد، واستعادة تحالفاتها التقليدية في مواجهة الخطر الأكبر الداهم الذي يتمثل في الصين، بالإضافة لمواجهة التحدي الروسي الطامح، لاستعادة مصالح ومكانة روسيا في العالم.
حين تبدأ عملية التغيير المتدرجة، من نظام عالمي قديم إلى آخر جديد، فإن المجتمع الدولي بأسره، سيخضع لزلازل قوية، خصوصا أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على التحكم في إدارة الأزمات والمصالح والاضطرابات الدولية، بعد أن بدأت هي تعاني من الاضطراب الناجم عن تراجع قدرتها على الاستفراد بإدارة العالم.
وعلى العموم، فإنه بقدر ما أدت ميكانيزمات العولمة لتحويل العالم إلى قرية صغيرة، تتحكم فيها الشركات الكبرى خصوصا العاملة في مجال التطور التكنولوجي، فإن ذلك لم ينجح حتى الآن، في انهيار الدولة القومية، بل إنها شكلت استفزازا للأفكار القومية، وخلقت ميكانيزمات الحفاظ على الدولة القومية. الولايات المتحدة تبحث وتقاتل من اجل مصالحها أولاً، وتبنى تحالفاتها، بما يخدم استمرار تسيدها وتحكمها في النظام الدولي، والصين هي الأخرى، وكذلك روسيا، كل منهما يبحث عن مصالحه ومكانته ما يحفز الدول الفاعلة دولياً للبحث عن مصالحها ومكانتها ما قد يؤدي إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي، على غرار ما حصل مع بريطانيا.
المشهد الدولي العام يشير إلى انزياحات وصراعات عرقية وقومية وصراع على النفوذ بين المتنافسين الدوليين بحيث لم تعد المنطقة العربية متفردة، في كونها ساحة صراع دموي وتدخلات خارجية وتداخلات محلية وإقليمية. ما حصل ويحصل في المنطقة العربية لما تتسم به من أهمية استراتيجية سواء بسبب ثرواتها، أو لكونها تقع على خطوط التجارة الدولية بما أنها تربط بين الشرق الآسيوي والغرب الرأسمالي، أخذ يرتد بتداعياته على الدول الاستعمارية التي أرادت السيطرة على المنطقة، عبر تفكيكها وإقامة نظام شرق أوسط جديد. الشرق الأوسط الجديد، اصبح شرقاً أوسط دامياً، ومكلفاً على أصحاب المشروع، وشكل فرصة لدخول رياح مضادة لأصحاب المشروع، ومنافسة له على السيطرة.
عشرات ملايين المهاجرين، من سورية، والعراق وليبيا واليمن والصومال وأفغانستان وإثيوبيا وفلسطين والمغرب العربي وعديد الدول العربية والإفريقية والآسيوية بدؤوا يتدفقون الى أوروبا ويشكلون عبئاً ثقيلاً على ميزانياتها، وعنصرا فاعلا في تراكيبها الاجتماعية.
ثمة دول استخدمت وتستخدم اللاجئين في ابتزاز أو الإثقال على الدول الأوروبية، التي تشكل الوجهة الوحيدة للمهاجرين بحثا عن الأمن والعمل. معروفة قصة تركيا مع الاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بالاتفاقية الخاصة باللاجئين السوريين والعراقيين، والتي تكلف أوروبا ثلاثة مليارات من الدولارات، مقابل إغلاق تركيا الطريق على الهجرة. الآن، أوروبا تصرخ من جديد، بسبب قيام بيلاروسيا، باستقبال المهاجرين، وحشدهم على الحدود مع بولندا. الدول الأوروبية تدرك أن بولندا التي تتمتع باقتصاد ضعيف لن تكون سوى ممر للمهاجرين إلى دول أوروبا الغنية، ولذلك فإن الأمر قد يفتح على صراع وربما جرى بين أوروبا وبيلاروسيا، ما لم تتم تسوية مشابهة للتسوية مع تركيا.
أوروبا المرهقة اضطرت لأن تستقبل عشرات آلاف الأفغان بالإضافة إلى الولايات المتحدة، بما أنها كانت شريكة في التحالف الذي قاد إلى احتلال أفغانستان لنحو عشرين عاماً. الصراع يحتدم على الحدود بين أوكرانيا وروسيا وتتصاعد لغة الحرب، ما قد يجر إلى هجرات أخرى، ستتكبدها الدول الأوروبية، بما أنها تقف إلى جانب السياسة الأميركية، التي تحاول تعزيز وجودها العسكري وسط آسيا وعلى الحدود مع روسيا وبالقرب من الصين. ربما كان لهذا الأمر علاقة بالسياسة الأميركية التي سارعت دون أن تنجح في محاولة ثني عسكر السودان عن انقلابهم على العملية السياسية، والأمر ذاته في إثيوبيا حيث فشلت الولايات المتحدة في إقناع رئيس الوزراء أبيي احمد للدخول في حوار غير مشروط مع جبهة تحرير تيغراي وحلفائها.
هناك عشرات آلاف الهاربين من الحرب في إثيوبيا والأعداد مرشحة للازدياد بسبب النجاحات التي تحققها المعارضة الإثيوبية، والتي تهدد بالوصول إلى العاصمة أديس أبابا، التي تبعد عن معاقل المعارضة بنحو مئتي كيلومتر تقريباً. الهاربون من الحرب إلى السودان لا يجدون ما يؤمّن لهم الاستقرار والغذاء، ولذلك فإن وجودهم سيكلف المجتمع الدولي الكثير من المليارات، وفي الأخير، فإن جزءاً من هؤلاء سيبحث عن الأمن والعمل الذي لا يجده في الدول القريبة الإفريقية أو العربية.
وبصراحة، ما يجري على مساحة العالم يتجاوز محددات الحروب الباردة إلى حروب ساخنة، من غير المرجح أن تنتهي إلى حرب عالمية ثالثة بسبب الردع النووي، ولكنها أيضا حرب مكلفة، واستحقاق اضطراري للانتقال من نظام دولي إلى آخر.