وكالات - حسن البطل - النجاح الإخباري - تسكنني شياطين الذاكرة، وأذهب إلى بيت في عين سينيا سيبعدون عن بواباته الخمس شبح النسيان، لتسكنه الذاكرة الفلسطينية.
هنا، على رمية كيلومترات، تحتشد تفاصيل جديد المشهد الفلسطيني إلى جانب قديمه: المخيم (الجلزون) المستوطنة (بيت إيل).. وهذا المثلث القروي الأحبّ إلى روحي في محافظة رام الله: دورا القرع - جفنا - عين سينيا. لو انبطحت هذه الآكام في هذا المثلث لحسبت نفسي في «الغوطة الشرقية» للشام.. لكنها لا تنبطح، غير أن شجرة جوز، سامقة ومعمّرة، وأخرى في فناء بيت ستسكنه «الذاكرة الفلسطينية» لم أرَ مثل بساقتها وغزارة ثمرها... إلا في «الغوطة».
يقولون: هذا بيت عزّ فلسطيني قديم يرقى بعضه إلى 800 عام وبعضه إلى قرن خلا، كاد الإهمال يحيله إلى أطلال.. لولا أن قيادة «الجهاد المقدس» مرّت من هنا وأقامت ها هنا، قبل أكثر من خمسين عاماً، فتذكر الناس واجب القيام.
لم يعد «بيت العزّ» ينتسب، فقط، إلى آل الحسيني، ولا حجارته الخرساء تحكي بلسان المعمار الفلسطيني القديم، فقد آل البيت إلى ذاكرة النضال الفلسطيني، فولج إلى صميم ما يصفه وزير الثقافة، ياسر عبد ربه «التكوين النفسي لأبناء الأجيال الفلسطينية».
الهنود الحمر الأميركان يتعاطون، مثلنا، هذه «الميرمية».. كما قرأت، لكنهم يعبدون الأرواح، وقشرة الأرض العذراء، ولحاء الشجر.. ويختصرون الله بـ «الروح الكبيرة» التي تنفخ روحها في الأشياء.
الفلسطينيون يتعاطون «الميرمية»، ويعبدون الله الواحد الأحد.. وتسكنهم روح المكان، وخلافاً للهنود الحمر، فهم يفلحون الأرض عميقاً، ويشيدون على قشرتها بيوت حجارة يسكنونها، وأحياناً تصبح بيوتهم مثل «الأوابد».
هذا بيت لآل الحسيني يشبه «الأوابد» فعلاً، ولولا أن امتدت إليه يد وزارة الثقافة لصار المكان «أطلالاً» في زمن لم يعد فيه الشعراء يقفون على الأطلال.
على ماذا سوف تقف الأجيال الفلسطينية الصاعدة؟ على ترابط الأبعاد التاريخية، الاجتماعية والإنسانية في معنى للانبعاث. ذاكرة قادمة من البعيد وذاهبة إلى أفق فلسطيني جديد: وثائق قديمة.
أسلحة صدئة ستجاور وسائل المعلوماتية الحديثة.. وسوف تزوّج «الأركيولوجيا» إلى «التكنولوجيا»... وهذا «المكان - الشيء» يجب أن يصحو من رمَده ومن سباته ليدل على هذا الشعب - المكان.
زميلي ماجد عبد الهادي، مدير المكتب الصحافي لوزير الثقافة، اكتشف لديه موهبة الوصف التي كادت تسحقها المقالة السياسية، وهو يصرّ على أن الطريق من رام الله إلى عين سينيا جزء لا يتجزأ من المتحف.
الطريق إلى البيت أجمل أم البيت؟ هذا سؤال شاعرنا محمود درويش، ولعله وضع شرطاً للجواب، هو «المكان - الشيء إن دلّ عليّ».
علينا، إذاً، أن نذهب إلى تفاصيل البلاد، لتقودنا إلى تفاصيل المكان، ليقودنا إلى إحياء ذاكرة المكان وإنسانه، .. ولنجعل من بيت «قيادة الجهاد المقدس» في عين سينيا متحفاً تاريخياً، أو تجربة للمتحف الوطني الذي يزوّج الذاكرة الفلسطينية لبطولة الإنسان الفلسطيني. «القرى المدمرة» تجدها مبرمجة ومحوسبة في مشروع متحف كاد مبناه أن يؤول إلى الدمار.
لكن، كما القرية دلالة المشهد، فإن البيت دلالة القرية والمشهد.. والإنسان أيضاً.
بصمة عمرانية سوف نجعلها واضحة من جديد، فإذا قرأتَ بصمة الإنسان كأنك قرأته.
ليست هذه أول مرة تشرف فيها وزارة الثقافة على انتشال بيت فلسطيني قديم من النسيان إلى وهج الحضور، لكنها - هذه المرة - تحاول «بروفة» أو «نواة» لإسكان ذاكرة النكبة الفلسطينية في بيت فلسطيني يكون لائقاً بالذاكرة.
زميلي الصحافي منتصر حمدان، قال: عسى أن لا ينسى الذين «يُتحّفون الذاكرة» أصوات الفلاحين المقهورين مرتين: من الغزو تلو الغزو، ومن «سادة الأرض»، فقد كان المكان، قبل اتخاذه مقراً لـ»الجهاد المقدس» سجناً، أحياناً، للفلاحين العصاة، الذين صاروا، مع ذلك، وقوداً للثورات الوطنية المتتالية، وهم الذين حملوا حجارة هذا البيت على مناكبهم، ورفعوها مداميك فوق المداميك.
وساخراً، قال: زوجة عمي العجوز هند مصطفى حمدان (75 عاماً) تكسب من عَرَقِها في أرضها 4000 دينار سنوياً، أي أكثر مما أكسب من عملي الصحافي! - ماذا تزرع العجوز؟ - سبانخ، بصلاً، نعنعاً.. وقرعاً! - قل لها إنني «أبوس يديها».
***
كان المكان (بعضه) مخازن سلاح.
كان المكان (بعضه) إصطبلاً للخيول.. وكان المكان (طابقه العلوي) مقراً لقيادة «الجهاد المقدس».... ويصير المكان مكاناً تسكنه الذاكرة، غير أنني مسكون تماماً بشياطين الذاكرة.. كتب في المكتبة. «ديسكات» في الحاسوب..وفي صدري صهيل خيول إلى سفوح الكرمل.
حـسـن الـبـطـل