نبيل عمرو - النجاح الإخباري - كان لابد من انتظار خطاب بينيت لتحليل خطاب الرئيس عباس، ذلك ان الاثنين هما طرفا المعادلة في شأن العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، وهما كذلك في شأن التسوية السياسية تقدما او تراجعا وجودا او عدما.
واذا كنا اكثرنا من القول ان التسوية الفلسطينية الإسرائيلية هي مشروع دولي لن يسمح العالم بانهياره، فبعد خطابي عباس وبينيت وقبلهما بايدن، اصبح ضروريا الإقلاع عن هذا القول انصافا للحقيقة وانسجاما مع الواقع.
وابدأ بقراءة مختصرة لما فهمته من خطاب الرئيس محمود عباس المطول، الذي فيه أمور عديدة بدت جديدة تماما واولها اشهار وثيقة ملكية بيته في صفد والتي يتملك مثلها ملايين الفلسطينيين، ثم استخدامه مفردات تنم عن الوقوف على حافة اليأس من إسرائيل واحتمالات التسوية معها، غير ان الأكثر لفتا للنظر منحه إسرائيل مهلة سنة كي تنسحب، وان لم تفعل فلكل حادث حديث، والحديث المقصود هنا اما المطالبة بتنفيذ قرار التقسيم او الذهاب الى حل الدولة الواحدة.
الرئيس محمود عباس يدرك اكثر من غيره بحكم الموقع والتجربة، ان مهلة السنة لن تمنح كي تنفذ، ولم تعلن كبداية انقلاب على نهجه السياسي، ذلك ان من حظي بلقب مهندس أوسلو في بداية المشروع والذي كان الأكثر تمسكا بنهج التسوية والأكثر صبرا على تغول الخصم تجاهها، لن يغير المسار حتى لو ارتطمت سفينته بحقل ممتد من الألغام وترنحت تحت عواصف وانواء لم تعيقها فقط عن التقدم بل تنذر بدمارها وغرقها، ولقد كان الرئيس موضوعيا حين صرح بذلك في ذات الخطاب.
الرئيس عباس والحالة هذه وجه رسالة استغاثة للعالم تترجم باللغة الدارجة ” الحقونا قبل ان تفقدونا” وبصرف النظر عن واقعية السنة ولو كمناورة الا ان التحذير صار واجبا حتميا لسببين اراهما الأكثر وجاهة في الحكاية كلها.
الأول ان الانهيار النهائي لعملية أوسلو لن يؤدي الى تجميد الحالة عند النقطة التي وصلت اليها الان، بل سوف يدخل الجميع الى حالة من غموض مدمر للمسارات وحتى المصائر، وتطورات غير مسيطر عليها لن يقتصر اذاها على الفلسطينيين وحدهم، ولو انهم دافعوا الثمن الأكبر، بل وعلى الإسرائيليين والمنطقة باسرها، وهذا ما حذر منه كل زعماء العالم الذي تناوبوا على منبر الأمم المتحدة ومن ضمنهم الزعماء العرب وخصوصا زعيما مصر والأردن.
اما السبب الثاني فيتعلق بالرئيس عباس شخصيا، وذلك وفق الحقيقة الموضوعية المثبتة وهي ان التسوية اذا كانت في عهد عباس شديدة الصعوبة، فهي في عهد من يليه ستكون مستحيلة.
غير ان ما يعترض “سنة عباس” ويجعلها صرخة في واد، هو ان لا عقلاء في إسرائيل يصغون الى دوافعها ويتعاملون بمسؤولية مع أهمية السلام الذي يرضى عنه الفلسطينيون، وهذا ما حسم امره على نحو مبكر خطاب السيد بينيت الذي سأقدم تلخيصا مختصرا له ولصاحبه.
ابرز ما لفت نظر المراقبين ان خطاب بينيت تجاهل تماما الواقع القائم على ارض الصراع الأساسية فلسطين، كما تميز بسذاجة مفرطة الى ابعد الحدود، فهل من سذاجة افدح من ان يعتبر بينيت عدم ذكر فلسطين والفلسطينيين بمثابة الغاء لهما، مع انهما الأشد حضورا في الحياة اليومية الإسرائيلية ان لم نقل المنطقة كلها، غير ان خطاب بينيت كان دقيقا في التعبير عن حالته كرجل صار رئيس وزراء بمحض الصدفة، وتعامل مع موقعه ومع العالم كقائد لحزب صغير اتيحت له فرصة تسويق نفسه كزعيم كبير ولكنه فشل.
كان بينيت وهو يلقي بخطابه الدعائي لنفسه ولحكومته، يخوض حربا دامية في الضفة الفلسطينية التي يعتبرها مكانا قيد الالحاق بإسرائيل، وينتظر حربا محتملة مع غزة ولا يكف عن اظهار الخوف المنبعث من الجبهة الشمالية ومن المائة الف صاروخ واكثر لدى حزب الله.
ان رئيس وزراء الصدفة يهرب من القريب الى البعيد ومن النار الى الرمضاء، ومن الخطر الأقرب من حبل الوريد الى ترف العلاقات المستجدة مع اخرين لم يحاربوا دولته يوما، ورغم التحفظ الفلسطيني المحق على تطبيعهم، فان هؤلاء لم يتوقفوا عن تذكيره بان الأساس هو فلسطين وان السلام والامن والاستقرار يبدأ منها وينتهي فيها.
عودة الى سنة الرئيس محمود عباس، فلكي تكون فاصلة بين الامل واليأس، او بين ضياع قضية او انقاذها، فهذا الامر بحاجة الى الكثير الكثير من العمل، فالمطالبات المحقة شيء وخدمتها كي تتحقق شيء اهم.
السنة في عمر التاريخ تمر كغمضة عين اما في عمر العذاب والالم الفلسطيني فيمكن ان تكون دهرا، فلنرى اذا ما الذي سيُعمل فعقارب الساعة سريعة الدوران.