نابلس - حسن البطل - النجاح الإخباري - 1 - يتراءى لي هكذا..!
ثلاث نسوة، ذوات صدور وأرداف أربعينية. ثلاث تلال تجلس جلسة ثلاث نسوة. من نافذة مطبخي أظن أنهن «يسولفن» في جلسة نسوية، تليق بقطاف أوراق الملوخية. هذا أول الصيف.. «عز دين» الملوخية.
هكذا..!
في صباحات الخريف والربيع، تختلف الجلسة. قهوة الصباح هي كما هي؛ صيفاً خريفاً؛ شتاءً ربيعاً.. والنافذة هي إياها. لكن، يتراءى لي: من نافذة مطبخ بيتي، أرى كيف تنفض الجلسة، في صباحات الخريف المتأخر والربيع المبكر، فإذا بالتلال الغربية الثلاث، الأشبه بنساء.. بكامل زيهن الفلاحي الفلسطيني، يصرن صبية لا يستر عريها الصباحي «من تحت السرة إلى فوق الركبة» سوى هذه «الغِطيطة» غلالة بيضاء ناصعة من قماش «اللانجري» الرهيف.. غيمة من السماء أضاعت السلم، أو كأنها حمل صغير أبيض تأخر في نومه.. وصعدت الأمهات لترعى الأزرق في السماء. أقسم لكم أن بصري 6 على 6 (بالنظارة الطبية)، وأن النافذة هي النافذة، لكن التلال الثلاث تقعد، صيفاً، قعدة «السولفة» مع قطاف أوراق الملوخية، وفي الربيع المبكر والخريف المتأخر تصبح التلال الثلاث في قعدة النسوة الثلاث، صبية في بدر أنوثتها ترتدي «شلحتها» البيضاء.. وأنا أشرب القهوة.

2 - زلّ لساني
زلّ لساني وناديتها باسمها «هيلانة»، فأنا لا أنادي الوردة بانتحال اسمها «الزهرة»، كان عليّ أن «أبرمج» في عقلي شرطها على صديقي: قل لصديقك أن يناديني أمام أصدقائك: «هند».
جاء صديق عند صديقي. جلسنا نقطف أوراق الملوخية. زلّ لساني. ناديتها «هيلانة» فقذفتني بما في يديها: عرق ملوخية. كل هذا الاخضرار في الجلسة الخضراء لقطاف الملوخية، صار ماكياجاً للأحمر الذي نفر من خديها، وصبغ وجهها ثانية كاملة، أو ثانية ونصف الثانية.
قال لي إيليا: لا تنادي كل سيدة بقولك «يا ست»؟ قال لي في شبابي البيروتي.
وقال لي: لا تنادي الوردة بقولك «زهرة»، لكن إذا عشقت امرأة يمكنك أن تنادي الزهرة بقولك: «وردة».
نسيت القاعدة في كهولتي، فرشقتني الفتاة، حبيبة صديقي، بعود ملوخية.. وكل هذا الأخضر صار ماكياجاً للون الحياء الأحمر الذي نفر من خديها.. وأضاء وجهها، ربما مدة ثانيتين.. إلا قليلاً.
وأنا أريد أن أكرر الغلطة، فلربما تتغير ألوان وجوه النساء ثانية واحدة من الزمان.

3 - «أندروميدا»
التي كانت لا تفارق حبيبتي في الجامعة، كانت تستودعني حبيبتي ثم تسترد مني صديقتها الأثيرة. ماذا تسمى صديقة الحبيبة؟ أنا سمّيت التي لا تفارقها: «أندروميدا».
العجم يسمّون تلك المجرة، بذراعيها الشاسعتين جداً «أندروميدا»؛ والعرب يسمّونها «المرأة المتسلسلة». تدور المجرات حول نفسها مرة كل مئات ملايين السنوات، غير أن دورة زمان عمر الإنسان سريعة كما يدور عطارد حول نفسه، أو حول الشمس.
أنت تنسى المجرة، ولا تنسى موقع نجمتك في سمائك عندما كنت طالب جامعة. نسيت «الأندروميدا».
صدفة: ؟!
عينان لا تريمان تحدقان بي: هل تذكرني؟ لا؟ خَلَعت المرأة نقابها عن شعرها.. وكررت السؤال: هل تذكرني؟ اختلط عليّ الجواب.. فإذا بها تعاجلني: أنا «الأندروميدا».
في أيّ أرض تختبئ نجمتي؟ سألتها ملهوفاً. فقالت: يا للرجال الذين يبحرون وراء الأفق! «الأندروميدا» تعرف عن نجمتي كل شيء، وهذه نجمتي تتسقط أخباري وتودعها لدى «الأندروميدا».. وأنا لا أعرف «الأندروميدا»، ولا أعرف أين نجمتي التي تتسقط أخباري.

4 - قوقعة
«ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر». في قعر البحر المتوسط قوقعة عملاقة مشغولة بتكاثرها عن غوايات «حورية البحر» مع الصيادين السكارى للماء العذب واليابسة وأحضان النساء.
هذه قوقعة تولد في مكانها وتموت في مكان ولادتها، فكيف ألهمتها غريزة التكاثر سرّ البقاء؟
تولد هذه القواقع مذكرة الجنس وفي جوفها المغلق أبداً مفتاح السر. ما أن تبلغ القوقعة المذكرة سن البلوغ حتى تنتقل إلى طور الأنثي.
وأما ذكور الإنسان فيثرثرون في المقاهي مع نرابيش الأراغيل الطويلة قصة الخليقة الخاصة بهم: المرأة ضلع سادس للرجل.

5 - البامية
أحب جداً «تقميع» قرون هذه النباتات المضلعة المسماة «بامية». هناك ملمسها الغريب (إذا كانت لك مغامرات ما قبل سن الحلم). هناك - ثانياً - هذه الشعيرات ناعمة الملمس (إذا كانت لك مغامرات الشباب) التي نسيتها «زهرة» البامية عندما دخلت طور أنوثتها البالغة. وهناك أخيراً هذا السر: كيف تنطوي زهرة البامية على نفسها مثل فتاة بكر، يعاجلها الناس قبل أن تغدو امرأة أربعينية فيزوجونها لمعدتهم.. بكامل هذه المراسيم التي تبدأ بتقميع البامية. أنا أحب تقميع البامية أول الصيف، بينما قطاف الملوخية شغلة النسوان.. أول الصيف أيضاً!