نابلس - هاني حبيب - النجاح الإخباري - بات واضحاً من خلال أقوال وتصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن وكبار أفراد إدارته، أنّ قرار الانسحاب من أفغانستان جاء في سياق ترتيب أولويات السياسة الأميركية وتوجيهها بشكلٍ مركّز نحو الصين وروسيا، باعتبار هذا التوجه أولوية قصوى في هذه السياسة، وللتذكير فإن أول مؤتمر صحافي للرئيس بايدن بعد تسلمه مقاليد البيت الأبيض كان قد تطرّق بشكلٍ محدد ومركّز إلى كل من الصين وروسيا عندما قال إنّ هناك معركة بين الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين والأنظمة الاستبدادية.
رغم أخطاء وخطايا السياسة الأميركية، فإن توجهاتها وخططها لا تأتي من فراغ أو من مزاج فردي أو لمجرّد المغامرة، ذلك أنّ الانسحاب من أفغانستان رغم تكلفته على كافة الأصعدة بما في ذلك تراجع شعبية الرئيس بايدن قرابة 20 نقطة دفعة واحدة وظهور أميركا بمظهر الهزيمة لما في ذلك من تأثير على شرطي العالم وزعامته، فمن المرجّح أنّ مظهر الهزيمة هذا إنّما هو التضحية المطلوبة والتي لا بد منها لمواجهة الصين وروسيا، وذلك عملاّ بما قاله كبير حكماء الصين كونفوشيوس: «إنّ كسب معركة من غير حرب أفضل من مئة معركة لتحقيق الانتصار» ونقصد هنا الانتصار الأميركي على كل من الصين وروسيا، وكذلك الاستناد إلى ما قاله رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية إنّ «أميركا قد تتأخر في فعلها لكنها في النهاية سوف تفعل ما هو صواب»، ونقصد هنا تأخر أميركا في الانسحاب من أفغانستان.
وهنا يفرض السؤال التالي نفسه بكل قوة: هل هناك مصلحة أميركية في إعادة إحياء طالبان ومعها كل القوى الأصولية كداعش والقاعدة، واستخدام هذه القوى لتحقيق رؤية استراتيجية أميركية للقرن الحادي والعشرين المتعلقة أساساً بالمواجهة مع بكين وموسكو؟!.
على نطاق واسع تتخذ السياسة الصينية متعددة التوجهات على مبادرة الحزام والطريق كاستراتيجية تهيئ لها قيادة العالم كبديل لزعامة أميركا، من خلال ركائز اقتصادية وأمنية كاملة والتي تعتمد بدورها على إحياء طريق الحرير كوسيلة لإنجاز هذه الاستراتيجية التي تضع الصين كمنافس أبرز للولايات المتحدة.
في سياق المواجهة الأميركية للاستراتيجية الصينية فرضت واشنطن سلسلة من العقوبات الشديدة على الصين غير أنّ ذلك لم يعد كافياً للحد من توجهات الصين نحو زعامة العالم ما فرض على واشنطن تعديل سياستها بالتوجه نحو الداخل الصيني تحديداً وتهديد الزعامة الصينية داخل البيت الصيني من خلال قلاقل وانهيارات وانشقاقات، ولعل في إثارة مسلمي الصين الإيغور على سبيل المثال لا الحصر أحد أهداف هذا الاختراق، إلا أن هذا الأمر يتطلب وبالتأكيد الدور الأبرز للمنظمات الجهادية والأصولية مثل طالبان والقاعدة وداعش التي تم إحياؤها من جديد والتي باتت أكثر انتعاشاً بعد الانسحاب الأميركي وبسببه من أفغانستان وسيطرة طالبان على البلاد، والفكرة هنا، أنّ البديل عن سياسة الاحتواء الفاشلة يتمثّل في اختراق الداخل الصيني والروسي.
والاستراتيجية الأميركية للقرن الحالي تستند أساساً وانطلاقاً من الانسحاب الأميركي من أفغانستان لإنجاز عملية تفخيخ لكل من الداخل الصيني والداخل الروسي من خلال الأداة الأكثر تأثيراً في هذا السياق والمتمثلة في القوى الأصولية كطالبان والقاعدة وداعش، خاصة بعد أن نجحت روسيا إلى حدٍ كبير في تحجيم داعش في سورية وتوقف إلى حدٍ كبير تأثير القوى الإرهابية الأصولية على إدامة التوتر في جمهورية الشيشان، لكن إحياء دولة طالبان من شأنه أن يعيد هذا الصراع مجدداً وبحيث تجد روسيا نفسها بما يشبه الحرب الأهلية، ما  يهيئ للاستراتيجية الأميركية تكامل مقوماتها في المواجهة لنخر الدب الروسي من الداخل.
إذا انسحاب أميركا من أفغانستان ومظهر هزيمتها تضحية لا بد منها لهدف أكبر وأعظم وهو إنجاز الاستراتيجية الأميركية للقرن الواحد والعشرين.