نابلس - حسن البطل - النجاح الإخباري - قرابة سبعة عقود انصرمت على انقلاب - ثورة 23 تموز (يوليو) ١٩٥٢ في مصر، وعقد من السنوات مرّ على «الربيع العربي» الذي بدأ في تونس.
عقد الخمسينيات من القرن المنصرم كان، عربياً، عقداً لانقلابات الجيوش على النظام، وكان الانقلابيون العسكريون في مصر وسورية والعراق، قد شاركوا في عقد الأربعينيات، في حرب النكبة الفلسطينية، وانقلاباتهم كانت ردة عليها. أما في سنوات عقد الربيع العربي فقد كانت بداياتها ثورات شعبية ضد الأنظمة الاستبدادية الفاسدة.
حقبة الانقلابات العسكرية بدأت في سورية مع حسني الزعيم وأديب الشيشكلي، ثم انقلاب «البكباشي» جمال عبد الناصر، الذي أنهى حكم سلالة ملكية مصرية أسسها محمد علي باشا، وكان الملك فاروق آخر هذه السلالة، في العراق كان انقلاب الضابطين عبد الكريم قاسم، وعبد السلام عارف على الحكم الملكي دموياً، خلاف انقلاب العسكر السوري والمصري.
ما يجمع حقبة الانقلابات العسكرية، في عقد الخمسينيات من القرن «الفارط» كما يقول التونسيون، أنهم جميعاً شاركوا في «حرب النكبة». عبد الناصر في حصار الفالوجا جنوب فلسطين، وعبد الكريم قاسم في شمال الضفة الغربية، خاصة في منطقة جنين.
وحده انقلاب ٢٣ يوليو ١٩٥٢، صار يدعى «ثورة»، مع إعلان الانقلابيين «المبادئ الستة»، بعد إزاحة اللواء محمد نجيب، ومن ثم فإن عبد الناصر، الذي كانت تشير إليه اسرائيل بـ«البكباشي» المصري، صار الزعيم القومي العربي المحبوب.
قبل عقد «الربيع العربي» كانت نتيجة انقلابات العسكر على النظام، ان اصبح في سورية حاكم مستبد، هو حافظ الأسد، وفي مصر حاكم مستبد هو حسني مبارك، وفي العراق حاكم مستبد هو صدام حسين، وحتى في ليبيا التي تأخر انقلابها العسكري، بقيادة العقيد معمر القذافي، الذي انقلب على الملكية السنوسية، صار العقيد القذافي، غريب الأطوار، حاكماً مطلقاً، كما حال المستبد اليمني.. وجميع هؤلاء الحكام المستبدين شهدت بلادهم ثورات شعبية ضدهم خلاصتها حروب أهلية، باستثناء تونس ومصر.
لم يهدأ مهد الربيع العربي في تونس، طيلة العقد الماضي، من محاولة إرساء نظام ديمقراطي بمشاركة الإسلاميين في «حركة النهضة» وتراث البورقيبية العلمانية، أما في مصر فإن عقوداً من «التمكين» للإخوان المسلمين، وانتخابات أول رئيس مدني، انتهت بعد عام واحد من حكم محمد مرسي، انتهى بثورة شعبية في «ميدان التحرير» في القاهرة، والتحق الجيش بهذه الثورة وجاء عبد الفتاح السيسي رئيساً.
«الشعب يريد إسقاط النظام» وسقط النظام في سائر دول الربيع العربي، باستثناء سورية، التي مزقتها الحروب الأهلية والإقليمية والدولية، كما حال العراق بعد صدام حسين، الحائر بين الفساد والاحتلالين الأميركي والإيراني!
في لبنان، يرفع الشعب شعار «كلن يعني كلن» يعني نظام المحاصصة الطائفية، الذي لم يسقط بعد حرب أهلية طويلة، وفي الجزائر يرفع الناس مثل هذا الشعار، لكن نظام ما بعد عبد العزيز بوتفليقة، يحاول تدارك الأمر بإصلاح تدريجي في النظام، والنجاة من تكرار عقد حرب أهلية بين الجيش والحركات الإسلامية.
الآن، موجة ثانية من «الربيع العربي» في بلاد مهده، حيث فشل عقد من السنوات، في التوفيق بين رؤساء فازوا في انتخابات ديمقراطية، و«حركة النهضة» التي فازت فيها أيضاً. رئيس النظام منتخب ورئيس البرلمان الإسلامي منتخب أيضاً.
حركات الإسلام السياسي تعطل الاستقرار السياسي لبلاد الانقلابات العسكرية والثورات الشعبية على السواء، في سورية والعراق واليمين، وليبيا .. والآن خصوصاً في تونس الخضراء، إذا أدى انقلاب نظام الرئيس الديمقراطي على الحكومة والبرلمان الديمقراطيين، الى حرب أهلية مع مؤيدي «حركة النهضة» الإسلامية.
انتهت «الكارزمية» الناصرية العربية مع رحيل عبد الناصر بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧، وأما «كارزمية» ثورات الربيع العربي الشعبية فليست أسعد حالاً. لا الحكم الاستبدادي بخير، ولا خيار الديمقراطية يبدو بخير!
للديمقراطيات الغربية الراسخة ازمتها مع الحركات الشعبوية اليمينية، وللعالم العربي ازمته مع النظام الاستبدادي، ثم حاليا مع حركات الإسلام السياسي و«الترامبية» هناك، والإسلام السياسي هنا.
***
يعيد رئيس التحرير نشر مقالات لي، كانت نشرت قبل ربع قرن، احد القراء، هو نصري حجاج، عقب على آخر مقالتين قديمتين بالقول: «الشغف في كتاباتك القديمة كان أقوى مما هو الآن .. حيث اللغة صارت فقيرة».
وعلى مقالة أخرى: «قديمك شغف خالص، وجديدك يقول أغيثوني».
قلت: الحال من الأحوال. قلمي ليس بخير، ولا المقالة السياسية، ولا الفكر السياسي الحالي العمود وحاشيته «كلام مناسبات على وتر» كما قال الشاعر.