نابلس - طلال عوكل - النجاح الإخباري - المشهد الفلسطيني الذي يطغى عليه التوتر، وفقدان الثقة، لا يزال مسيطراً، رغم مرور أسبوع على مقتل الناشط المعارض نزار بنات. والسؤال هل ينتهي الأمر، وتستقر الأوضاع، في حال تم التعامل من قبل الحكومة على نحو جدي، ومقبول من عائلة المغدور ومن المجتمع، نشطاء وفصائل ومنظمات مجتمع مدني؟
لقد أعلن وزير العدل أن لجنة التحقيق أنهت أعمالها، وحولت تقاريرها، لاتخاذ المقتضيات القانونية من قبل الجهاز القضائي، ولكن لا يبدو أن ثمة الحد الأدنى من الثقة، بما يمكن أن تقوم به لجنة تحقيق حكومية، يعتبر الكثيرون أنها محل شبهة أو على الأقل جهة غير محايدة.
في حالة كهذه، حركت بقوة المياه الراكدة في المجتمع وعلى المستوى الوطني، كان لا بد من اعتماد الشفافية المطلقة في التعامل مع هذا الملف، ونشر كل ما يتصل بالتحقيقات التي أجرتها الحكومة، وإلا كان كل ما تفعله حتى لو كان جدياً، ومنصفاً محل تشكيك ورفض.
يتعزز منطق التشكيك والرفض، حين تعلن العائلة رفضها لمبدأ تشكيل اللجنة، والمخرجات التي صدرت أو يمكن أن تصدر عنها، وفي حين تعلن الهيئة المستقلة، استمرارها في التحقيق، ومطالبتها الحكومة بنشر وقائع ومخرجات التحقيق.
تفاصيل المشهد الفلسطيني بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والفصائلية وتضارب الأجندات، وفي ضوء التجربة الطويلة، تشكل دون أدنى شك عاملاً في تعميق أزمة الثقة، ومحفزاً لاستمرار الاحتجاجات.
قد تهدأ حركة الاحتجاجات العلنية، والتظاهرات، ولكن ذلك لا يعني بأي حال تجاهل أن الغضب والاحتجاج، كامن في النفوس، وقد ينفجر في أي وقت ولأي سبب. السياسة الفلسطينية العامة والفصائلية تكره الشفافية، وتتسم بالغموض غير البناء، وسياسة الأفخاخ، وانتهاز الفرص، خصوصاً حين يتعلق الأمر بموضوع المصالحة والمصالح، وتضارب الأجندات، وغياب النقد الذاتي، وحضور النقد المدمر. ثمة من يبالغ في توصيف الحالة، وأبعادها وآثارها حين يصل إلى استنتاج أن ما جرى ويجري يهدد بتصفية القضية الفلسطينية، وكأن القضية واستمرارها مرهون لأحداث معينة مهما كانت مؤلمة وخطيرة.
إن عدالة القضية الفلسطينية، ومآلاتها مرتبطة بالحقوق، والقانون وبالشعب الفلسطيني، وهي ليست رهينة مرحلة معينة، أو فصائل بعينها، وهي أولاً وأخيراً قضية عادلة لا يمكن لأصحاب الرواية المزيفة، وكل المخططات التصفوية أن تؤدي إلى تصفيتها. الاحتجاج مقبول على سلوك مخالف للقوانين والمواثيق الوطنية والدولية، ولكن من غير المقبول أن يتم توظيف هذا السلوك المدان، إلى فزاعة لإثارة الفتن، وتعميق الاضطراب.
المدعي والمدعى عليه، يفترض أن يقف ويفكر في أسباب وأبعاد وتداعيات هذه الجريمة بما أفضت إليه من نبش لواقع شديد السلبية لا يجوز ولا يمكن مواصلة التستر عليه لأن مردود ذلك لا يقف عند حدود تسجيل نقطة لصالح هذا الطرف ضد طرف آخر، وإنما الكل متضرر.
وبصراحة، فلقد أبدت الحكومة تباطؤاً، غير مبرر، في معالجة الجريمة، ونعتقد أنها فوجئت بحجم ونوع الرفض والاحتجاج الشعبي وتجاهلت، أيضاً، أن ثمة من يجلس على ركبة ونصف للتوظيف بما يخدم أجنداته. وتجاهلت الحكومة، أيضاً، ردود الفعل الدولية، التي أدانت الجريمة، ولم تتخذ خطوات جدية لمنع تفاقم الأزمة حين قامت الأجهزة الأمنية، بالتصدي للمحتجين، بالضرب والاعتقال ما يثير الشكوك بأن ثمة رضا عما وقع.
ثمة أزمة عامة تضرب الوضع الفلسطيني برمته، وفي أغلب الأحيان، فإن ما تقوم به إسرائيل من ممارسات إجرامية، ومخالفة للقانون الدولي، هو ما يثير التعاطف مع الفلسطينيين وقضيتهم، وطبعاً دون أن نتجاهل عمليات التصدي الباسلة، سواء من قبل الجماهير، أو من قبل فصائل المقاومة. الأزمة تضرب النظام السياسي، ان صح اعتباره نظاماً سياسياً بالمفهوم التقليدي، وتضرب البرنامج الوطني، وتضرب في العمق العلاقات الوطنية السياسية والاجتماعية، وتمتد لتضرب أدوات النضال الفلسطيني بما في ذلك الحركة التاريخية القائدة حركة فتح.
ومع مراجعة التاريخ القريب نلاحظ غياب التقييمات النقدية العميقة ومحاولات الإصلاح، والتي يعبر عنها على نحو مكشوف فشل كل محاولات المصالحة وتحقيق الشراكة الوطنية والوحدة.
في السياسة العامة، الكل يعرف ويعترف بأن إسرائيل قد قامت مبكراً ووفق خطة منهاجية، بتفكيك وتجاوز اتفاقية أوسلو، وأعلنت غير مرة عدم التزامها لا بالحدود، ولا بالقانون الدولي، ولا بأي حقوق سياسية للفلسطينيين. مقابل ذلك، بقي الفلسطينيون ملتزمين بكل ما ترتب عليهم من خلال الاتفاقية من التزامات، وكأن اتفاقية أوسلو، كانت الأساس المقنع، والملتزم بالقانون الدولي، حتى يتمسك بها الفلسطينيون في حين ينكرها ويقضي عليها الطرف الآخر.
والحال ان كل الدنيا لو اجتمعت على إحياء اتفاقية أوسلو لإنصاف الفلسطينيين بإقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران، وعاصمتها القدس، وتحقيق عودة اللاجئين، فإن إسرائيل سترفض وتقاوم. السنوات تمر والمعانيات تزداد، ومع استمرار هذه السياسة لا يكون أصحابها قد أنجزوا حقوقاً أو كسبوا شعبهم وأنفسهم. من هنا، تبدأ معالجة تداعيات جريمة قتل نزار بنات، الذي لا يشكل نبتة وحيدة معزولة، فثمة عشرات وربما أكثر مثل بنات.