رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - سيكون اجتماع الكنيست القادم فارقاً في تاريخ إسرائيل، فهو سيشهد التصويت على حكومة جديدة ستضع حداً لحكومات يمينية/ليكودية متواصلة طوال ربع قرن مضى، ويعيد مبدأ تداول السلطة مجدداً، بعد أن انفرد اليمين بالحكم، منذ العام 96، باستثناء ثلاث سنوات فقط حكم فيها حزب العمل بزعامة من كان قائداً لجناحه الصقري إيهود باراك، ما بين عامي 1999 - 2000، وما لم يقع حدث جلل، فإن الليكود ومعه أحزاب الحريديم سيجلسون على مقاعد المعارضة مجدداً.
والليكود بزعامة نتنياهو، الذي يسعى إلى إجراء انتخابات مبكرة داخل حزب الليكود، ليضمن رئاسة المعارضة، بعد أن فقد رئاسة الحكومة، ليس أقل خطراً منه وهو في سدة الحكم، وعلينا أن نستذكر هذه الأيام، كيف وصل نتنياهو وكان شاباً لأول مرة إلى رئاسة الحكومة، بعد عملية الاغتيال الدموي لرئيس الحكومة آنذاك إسحق رابين بتحريض منه شخصياً، وقد مارس نتنياهو التحريض مجدداً، خاصة على زعيم حزب «يمينا»، خليفته في المنصب الحكومي الأول، وعدد من زعماء الحزب اليميني، الذي حسم بانضمامه للتغيير الأمور باتجاه إنجاح يائير لابيد في مهمته بتشكيل الحكومة البديلة عن حكومة نتنياهو.
حقيقة الأمر أنه طال انتظار الأحزاب التي سعت فقط لإخراج بنيامين نتنياهو من منصب رئيس الحكومة، وبعد أربع جولات انتخابية، وبعد تتابع خروج الأحزاب اليمينية من قبضة نتنياهو، ولولا إيثار لابيد وعدم أنانيته، لما نجح معسكر خصوم نتنياهو في إسقاطه في آخر المطاف، الذي اكتفى بتداول غير مضمون لرئاسة الحكومة، بعد عامين.
كذلك لا بد من الإشارة إلى الصمود السياسي الفلسطيني، الذي وقف في وجه الإعصار اليميني، رغم الانقسام، ورغم إدارة دونالد ترامب، كذلك الإشارة إلى أن نجاح الحزب الديمقراطي الأميركي في وضع حد للتطرف السياسي ممثلاً بترامب، كعوامل ساعد في إسقاط حكم نتنياهو.
رغم ذلك، ورغم أن الليكود خرج من دائرة الحكم، ورغم أن الأحزاب الدينية ستغيب عن حكومة بينيت/لابيد، إلا أن الحكومة ستشهد أول رئيس لها يعتمر القلنسوة الدينية، ورغم وصف رئيس الحكومة المنصرف من منصبه، بنيامين نتنياهو للحكومة الجديدة بأنها يسارية، إلا أن رئيسها يميني متطرف، كذلك تضم في تركيبة القاعدة البرلمانية الداعمة لها، نحو ثلث أعضائها من الأحزاب اليمينية، فيما لا يتعدى أعضاء اليسار فيها أكثر من خمسة نواب، وإذا كانت أغلبية قاعدتها النيابية من الوسط، فإن هناك حشداً من الضباط السابقين والعسكريين، يتقدمهم بالطبع وزير الدفاع، رئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس، حيث تشكل حزبه الذي يحتل الموقع الثاني من حيث عدد نوابه في الائتلاف الحكومي، على أساس أنه حزب الجنرالات السابقين، وفقط ينقصه غابي أشكنازي وزير الخارجية.
لكن لأن اعتبارات نتنياهو شخصية، فإنه يعتبر حكومة برئاسة نفتالي بينيت حكومة يسارية، رغم أن بينيت أكثر يمينية منه، وهو لو نجح بتحريضه في دفع أحد المتطرفين من أنصاره لاغتيال بيينت أو أحد أعضاء «يمينا»، بهدف منع نيل حكومة التغيير ثقة الكنيست، يكون بذلك قد بدأ عهده باغتيال وأنهاه باغتيال آخر.
وإذا كان الأمن الإسرائيلي قد احتاط جيداً هذه المرة، بتعزيز الحماية لبينيت وإيليت شاكيد، وغيرهما من أعضاء «يمينا»، وإذا كانت الولايات المتحدة، قد أدركت الخطر المحتمل جراء محاولة نتنياهو الاحتفاظ بالحكم، كما حاول من قبله صديقه دونالد ترامب، حيث استدعت بيني غانتس لواشنطن، لإغلاق الباب أمام احتمال شن حرب على إيران، حيث فعلاً تناقلت وسائل الإعلام خبر إضرام حريق قبل أيام في أكبر السفن الإيرانية في مضيق هرمز، فيما تبقى آخر محاولات اليمين الإسرائيلي التشبث بالحكم، هي إعادة الكرة فيما تسمى حملة الأعلام.
لذا سيكون يوم الخميس يوماً مشهوداً، وقد كان تحضير المتطرفين من المستوطنين لإطلاق مسيرة حملة الأعلام الإسرائيلية بمناسبة احتلال القدس الشرقية، سبباً في اندلاع جولة الحرب الأخيرة بين إسرائيل وغزة قبل أسابيع، والتي تبعت اندلاع المواجهة بين المرابطين في القدس، وبين جنود وشرطة الاحتلال.
وحيث كان وقف إطلاق النار إنجازاً أميركياً - مصرياً، فإن تبديده، هو محاولة ليكودية - نتنياهوية، لإعادة الوضع إلى نقطة الصفر، على الأقل فيما يخص نقل السلطة في إسرائيل، لذا فإن إعلان حركة فتح النفير العام يوم الخميس، يبدو كإجراء احترازي مضاد، لحماية القدس أولاً، وثانياً، لتفويت الفرصة على محاولة نتنياهو، جعل الدم الفلسطيني مجدداً وقوداً للإبقاء على عربة التطرف في موقع القيادة الإسرائيلية.
يبدو عمليا أن الأهم قد تم، وهو إسقاط نتنياهو، وأن محاولاته للتشبث بالحكم، لن تصل لنتيجة مختلفة عن محاولات ترامب قبل أشهر، لكن المهم قد لا يمضي طويلاً، وإذا كانت أحزاب الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الجديد نجحت في مهمتها الرئيسة، وهي الإطاحة بنتنياهو، فإن ما هي عليه من اختلافات أيديولوجية وسياسية، قد يمنع استمرارها طويلاً، وقد لا تتجاوز مدة العامين الأولين من عمرها، لتشهد تناوب السلطة، وانتقال رئاسة الحكومة ليائير لابيد، لكن خارطة اليمين نفسه قد تغيرت، فهل يعني ذلك أن الليكود خارج الحكم سيتآكل، كما حدث مع حزب العمل، وأن «يمينا» سيحل مكانه، أم أن الليكود سيعود مجدداً من بوابة المعارضة ويتجاوز «يمينا»، حتى لو اندمج مع حزب جدعون ساعر «أمل جديد»، وحزب أفيغدور ليبرمان «إسرائيل بيتنا»، كما فعل من قبل بتجاوزه كاديما بعد أن ورث أريئيل شارون كلاً من أيهود أولمرت وتسيفي ليفني ؟!
من المبكر البحث أو التفكير في هذه الأمور، لكن مستقبل المعادلة السياسية، في إسرائيل رهن بالترتيبات الإقليمية التي تقودها واشنطن، بما في ذلك ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فإن نجحت واشنطن أولاً في إعادة العمل بالاتفاق مع إيران، ثم بالتوصل لحل بين إسرائيل وفلسطين، سيتغير كل شيء، وستطوى نهائياً صفحة نتنياهو ومعه التطرف، وستنخفض كثيراً حدة التطرف والفوضى وستنحسر دائرة العنف في كل الشرق الأوسط.

 

نقلا عن الأيام