حمادة فراعنة - النجاح الإخباري - سلّمنا في ظل المعايير السائدة لدى بعض أو أغلب البلدان العربية أن السيادة المحلية حق وواقع، وأن القيم القومية ومؤسساتها مجرد كلام، ونصوص دارجة لا تشكل رادعاً لأي متسلط أو طماع، فالخلافات الحقيقية أو الوهمية بين بعض البلدان العربية، أقوى من الروابط القومية.

كنا نقول إلا فلسطين، فهي قضية العرب الأولى، عنوان وحدتهم، القضية المركزية، وجاء ترامب بقوته ونفوذه وعنجهيته وابتزازه، واتخذ سلسلة من الإجراءات كمقدمات توجها يوم 6/12/2017 باعترافه بالقدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، وتم نقل سفارة بلاده من تل أبيب يوم 14/5/2018 بمناسبة ذكرى النكبة، وقيام المستعمرة.

لنتذكر ما قاله ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، إلى صحيفة الغد الأردنية، أجرته الصحفية تغريد الرشق في مكتبه في واشنطن ونشرته يوم 10/10/2019، قال حرفياً ما نصه:

«كان هناك توقعات أنه لو تم نقل السفارة إلى القدس، إن هذا سيؤدي إلى انفجار الوضع، وسيؤدي إلى الانتفاضة الرابعة أو الخامسة أو السادسة، وأن الوضع سيكون غير مسيطر عليه، لكن القرار قوبل بتثاؤب جماعي من قبل العالم أجمع، باستثناء أوروبا».

هذه وقائع مؤلمة صادمة حقيقية قالها أحد أبرز العاملين في الخارجية الأميركية، صُنعت مقدماتها في معارك جانبية كثيرة متعددة بين البلدان العربية وفي داخل البلد الواحد، وهي ليست بريئة بل منهجية منظمة حصيلتها: حروب بينية عربية دمرت الأخضر واليابس حتى تحول الوضع إلى حالة الموات القومي باتجاه بعضنا البعض، ولذلك دعونا لا نواصل المشوار ونضع حداً لقتل بعضنا البعض، ونرى مآسي ما أفرزته الوقائع غير القومية.

دعونا، كأردنيين لنبدأ بأنفسنا، وبالعرب والمسلمين والمسيحيين، وبكل من تبقى لديه ذرة إحساس، أن نحترم خصوصية الفلسطيني ووطنه، أن لا يتبجح البعض بالعشق للمستعمرة الإسرائيلية، ونسأل أنفسنا هل الجزائري أو السوداني أو الخليجي أو السوري يقبل لأي عربي أن يمس بلده؟

الجواب بالتأكيد لا قوية، فكل منهم لا يقبل أن تقول له تنازل عن جزء من بلدك لأي طرف، ولذلك دعونا نحترم فلسطينية الفلسطيني واحترام وطنه فلسطين، حتى ولو لم نتمكن من مساعدته، فعلى الأقل، لا نشتمه، لا نزايد عليه، لا يتبجح أحد أن المستعمرة الإسرائيلية على حق والفلسطيني على باطل، كما فعلها البعض القليل حتى وهو لا يُعبر عن سياسة بلده أو شعبه، دعونا لا نرد الإساءة على هؤلاء القلة بإساءة مثلها.

ونسأل هل نسمح لأنفسنا بقبول التطاول على قدسية مكة المكرمة أو قدسية المدينة المنورة، فكيف يسمح البعض لأنفسهم أن يقبل التطاول اليومي من قبل المستوطنين الأجانب على قدسية أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين؟

كيف نقبل التطاول على مسرى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه، وولادة السيد المسيح عليه السلام وقيامته، وخلاصة نقول لتبقى هذه القيم وهذه المرجعيات ثابتة بيننا ونترك السياسة للسياسيين ليختلفوا كما شاءوا، لأن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، والصحيح أن فلسطين وطن الفلسطينيين، كما هو الأردن للأردنيين، والكويت للكويتيين، ولبنان للبنانيين وبلدان المغرب العربي لأصحابها مهما بقي المستعمر كفرنسا في الجزائر لعشرات السنين وأكثر.