نبيل عمرو - النجاح الإخباري - كنت وما زلت مدافعا عن بقاء السلطة الفلسطينية، ومعترضا حتى على المناورة بها من خلال كثرة الحديث عن تسليم مفاتيحها لنتنياهو وإلزامه بإدارة الشعب الفلسطيني وفق اتفاقية جنيف الرابعة، واعترف بأنني أجد صعوبة بالغة في إقناع شرائح كبيرة من مكونات المجتمع الفلسطيني بدفاعاتي مهما أسندتها بالدعامات وتلمس مصالح الناس.

ولأن الغالبية العظمى من المواطنين ليسوا خبراء سياسيين محترفين، فإن محاكماتهم للإطارات تكون من خلال النتائج التي يلمسونها، فأن كانت غير متطابقة مع مصالحهم يعترضون عليها دون التدقيق في البدائل التي يتوقعون أن توفرها قياداتهم.

ولقد دأبت على عرض تحليلاتي للمواقف والقضايا عبر جميع الوسائل المتاحة بما في ذلك استخدام تقنية الفيديو المتوفرة لكل من يمتلك جهاز موبايل، أي أن الاعلام صار مفتوحا والنقاش الجماعي كذلك.

ومن خلال متابعتي لردود الأفعال فوجئت باتساع مساحة انتقاد السلطة على الصعيد الشعبي، لدرجة إظهار عدم الأسف عليها لو جرى حلها، بل إن البعض وصل حد اعتبار حلها ميزة وطنية ضرورية، وخلاصة كهذه وإن كنت لا أوافق عليها إلا أنها نتاج تلقائي لسلوك كثيرين من المتنفذين في السلطة الذين لا يكفون عن تزويد الناس بأخبار ووقائع تعمق اليقين لدى المواطن بأن السلطة القائمة حاليا هي لخدمة المتنفذين فيها.

الاخبار التي تتداول على نطاق واسع ليست إشاعات تصدر عن طرف معاد بل هي من صنع وترويج أهل السلطة وسدنتها.

والطريقة التي يجري فيها الحديث عن أن حل السلطة هو أكبر وأفعل أعمال الضغط على إسرائيل، يجسد اعترافا بأن مجرد وجود السلطة هي مصلحة إسرائيلية صرفة وهذا غير صحيح ولا لزوم لتداوله لا كحقيقة ولا كمناورة فالسلطة اسمها السلطة الوطنية وإن قصرت في أمور كثيرة فليس عقابها القتل وإنما الإصلاح ومعالجة الفشل المتفشي في جسدها وفي القائمين على الوظائف الرئيسية فيها، فضلاً عن أن التلويح بتسليم مفاتيحها للخصم هو عمل ينتمي للمناورة وليس للإجراءات الفعلية. 

إذا بدل الحديث عن حل وتسليم مفاتيح فلم لا نسمع ونقرأ اجتهادات مبدعة لإصلاح الخلل وتصويب المسار وتحسين الأداء فالسلطة التي تكرست على مدى ربع قرن في حياتنا ليست مجرد تمثال من التمر نأكله حين نجوع، بل هي مؤسسة تنفق مليارات الدولارات على المرافق الأساسية التي بنيت عليها الحياة الفلسطينية، صحيح أننا جميعا غير راضين عن جودة الأداء والانفاق، إلا أن الإصلاح أكثر يسراً وضرورة من الإلغاء. 

إن الناس الذين ينتقدون السلطة وأحيانا يقول بعضهم أن لا لزوم لها يطلبون من قياداتهم أن يتقدموا ببرنامج إصلاح حقيقي يجعل السلطة رغم كل التحديات سلطة وطنية وليست استثمارا تجري المناورة به في أي اتجاه.