ريما كتانة نزال - النجاح الإخباري - بعد عام ونصف على استشهاد «عائشة الرابي» بعد مقتلها المروع بواسطة إلقاء صخرة تزن «كيلوغرامين من قبل مستوطن، تعترف وزارة الأمن الإسرائيلية أن قتل «عائشة» في تشرين الأول من العام 2018 نتيجة «عمل عدائي» وقع «لأسباب قومية، وبدوافع أيديولوجية عنصرية وعدائية تجاه الفلسطينيين العرب لمجرد أنهم عرب، بما يمثل إقراراً صريحاً بأن الجريمة نِتاجٌ لعمل إرهابي، للحد الذي اندفعت به المحكمة واعتباره إنجازاً هاماً يُسَجَّل لها! تبتغي لَفْت الانتباه له.

الاعتراف الإسرائيلي وتصنيف الجريمة من قبل وزارة الأمن الإسرائيلية يطرح التساؤلات حول الأسباب التي دفعت الاحتلال ممثلاً بالوزارة إلى تجريم الفِعل والفاعل رغم حصره بمستوطن واحد، بعد أن قامت بتبرئة اربع مشْتَبهين آخرين تواجدوا في مسرح الجريمة بالقرب من حاجز «زعترة» المكان لذات الغاية التي تواجد به القاتل الذي اكتفت بالتصريح عن اسمه بالحرف الأول منه «ص»! الحاجز الذي يشهد تواجداً عسكرياً إسرائيلياً دائماً.

القرار لم يأت بناءً على إرادة إسرائيلية للكشف عن الحقيقة ومحاكمة الجناة، أو بهدف إيصال الشهيدة إلى العدالة التي تستحق، بل جاء نتيجة التطور الجديد الذي اُتخذ مطلع العام الحالي من أجل مواجهة توصية المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية «فاتو بنسودا» وإحباط مطالبتها المحكمة الدولية بفتح تحقيق شامل بخصوص «جرائم حرب» محتملة ارتكبت في الأراضي الفلسطينية، ولقطع الطريق أمام الثغرة التي فتحتها التوصية المذكورة فيما إذا تم الأخذ بها من قبل المحكمة الدولية، ومحاكمة قاتل «عائشة الرابي» التي قضت نحبها على يد المستوطن «ص» وإلقائه صخرة الحقد على رأسها مخترقاً الزجاج الأمامي للسيارة التي تقلها وزوجها وطفلتها «راما» وتركها تنزف حتى الموت.

دولة الاحتلال منذ اللحظة التي تم فيها كشف النقاب فيها عن توصية «بنسودا»، باشرت باتخاذ الإجراءات والسياسات اللازمة للتنصل من جريمة قتل الشهيدة «عائشة» المرفوعة لمحكمة الجنايات الدولية من قبل الدولة الفلسطينية. من خلال استخدام الاحتلال نصوص القانون الدولي المتعلقة بعدم جواز إعادة محاكمة الشخص أكثر من مرة عن ذات القضية، في حال قيام «الدولة المحلية» بمحاكمة المتهم بارتكاب جريمة حرب وفقاً لقانونها الوطني.

هكذا يمكن فهم قرار وزارة الأمن بوضعه في إطار مواجهة توصية المدعية العامة، بداية للتأكد والنظر فيما إذا كان المجرم «ص» قد تمت محاكمته كما ينبغي والتحقق من أن العقوبة منسجمة مع محددات «ميثاق روما» الذي وقعته دولة فلسطين، رغم تلكؤ المحكمة الإسرائيلية على مدار أكثر من عام ومماطلتها بادعاء عدم كفاية الأدلة بما فيها وجود الحمض النووي (DNA) للجاني على التلة التي ألقى صخرته من فوقها، وحظرها نشر تفاصيل إضافية من ملف التحقيق. وكذلك للتأكد من ابتعاد المحكمة عن المحاكم الشكلية والصورية التي عادةً ما تلجأ إسرائيل لتشكيلها لحماية المجرمين من عناصر جيش الاحتلال وغيرهم، وهو ما لجأت إليه أكثر من مرة، مثل تشكيلها لجنة «كاهانا» للتحقيق في مجازر «صبرا وشاتيلا» عام 1982 على سبيل المثال، لإحباط محاكمة الجناة الإسرائيليين في المحاكم الدولية.

في إطار ما سبق، يمكن وضع اعتبار سبب اعتراف الوزارة الإسرائيلية بالجريمة ووصفها القرار بالإنجاز في مكانه الصحيح، فالمجرم البالغ عمره ستة عشر عاماً الذي يتلقى تعليمه في المدرسة الدينية «برحليم»، المقامة على أراضي سلفيت، لم يعترف بجريمته ويلتزم الصمت، بناء على تعليمات صادرة عن نشطاء المستوطنات من مجموعات إرهابية عنصرية مختلفة أهمها مجموعات «تدفيع الثمن» و»شباب التلال».

الجرائم الإسرائيلية ليست محتملة، بل تتخذ شكلاً ممنهجاً ينفذه الجيش والمنظمات الإرهابية المدعومة والمحمية من الجيش. مصطلح العدالة لا وجود له في قواميس المحتل أو نواميسه، ووتيرة التصعيد العدواني تتزايد بشكل بات فيه الفلسطيني لا يؤمِّن فيها على حياته وحياة أسرته وعلى ممتلكاته، تصعيد عدواني يندرج في إطار سياسة إسرائيلية منظمة أداتها إرهاب المستوطنين بتغطية حكومية كاملة، وممارسة سياسة العقوبات الجماعية من أجل دفع الفلسطينيين الى ترك أراضيهم.

وأخيراً، في الحياة الفلسطينية سقوط مستمر للاعتيادي، من بيت إلى بيت بلا مقدمات. وعندما سقط الاعتيادي عن حياة عائلة «الرابي» بعد رحيل استثنائي لربة البيت وعاموده، رحيل لآخر بقايا الجمال والوفاء عن العائلة، كان عليها تنفيذ وصية «عائشة الرابي» الأخيرة أثناء تدحرج الموت على نزيفها القاني.

بعد سقوط الاعتيادي عن حياة الفلسطينيين، يتكرس إيمان بأن تنفيذ وصايا الشهداء والشهيدات بالاستمرار على نهجهم والخلاص من الاحتلال؛ كفيل بإعادة الراحلين اغتيالاً إلى قيد الحياة، دونه يستمر تناول وجبات الحزن بعد صمت الفجيعة. دونه ليس للكلام الفصيح أي معنى، جميع المعاني هاجرت إلى الأفعال.