النجاح الإخباري - لم تلتئم جراح الفلسطينيين في لبنان، حتى يعود وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان، للعبث بها إلى أن أخذت تنزف دما مدرارا. بالرغم من مرور سبعة و ثلاثين سنة على القرار الذي اتخذه الرئيس السابق المغدور بشير الجميل في علم 1982، وبوجود قوات الغزو الإسرائيلية، و منع بموجبه على الفلسطينيين ممارسة سبعين مهنة، إلا أن أحفاد الجميل من تابعي حزب القوات اللبنانية برئاسة الجزار سمير جعجع لا يوالوا يتمسكون بتراثه.

ثمة أحقاد دفينة لدى القوات اللبنانية لم تكف لإطفائها المجازر التي اشتركت فيها تلك القوات بحق سكان صبرى و شاتيلا، بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. لا يمكن أن يؤخذ الشعب اللبناني البطل بجريرة حفنة من الحاقدين الذين يجدون الفرصة السياسية مناسبة لمواصلة تجريف الوجود الفلسطيني في لبنان و تقديمه للوحش الامريكي الاسرائيلي، الذي يواصل امتصاص دماء الفلسطينيين، ويصادر حقوقهم كشعب و اصحاب قضية هي الأعدل.

الفلسطينيون بحسب أبو سليمان اجانب وينبغي تسوية أوضاعهم في الأرض على هذا الأساس، وكأنهم دخلوا إلى لبنان خلسة أو كأفراد اختاروا طواعية اللجوء إليه والإقامة فيه.

يتناسى أبو سليمان ومن يقف وراءه أن عمر الفلسطينيين بعمر النكبة وقد حافظوا كل الوقت على أصول الضيافة، لا يتركوا لحظة إلا ويؤكدوا فيها فلسطينيتهم، وتمسكهم بحقهم في العودة إلى الديار التي اقتلعتهم منها العصابات الصهيونية المدعومة بقوة الاستعمار البريطاني.

قرار وزير العمل اللبناني لم يخضع لحسابات قومية أو وطنية، وإنما هو يتساوق وينقذ حصته من صفقة القرن، مستخدما شعارات زائفة، وكأنه يترجم السياسة اللبنانية الرافضة لتوطين الفلسطينيين في لبنان. ليس جديدا على الفلسطينيين هذا التوظيف الخطير للشعارات والمواقف الوطنية والقومية ظاهرا والخبيثة باطنا.

هذا هو حال بعض العرب الذين يؤكدون دائما من خلال البيانات و التصريحات، التزامهم بالحقوق الفلسطينية و العربية ودعمهم للنضال الوطني الفلسطيني، لكنهم يتبعون سياسات وسلوكيات عملية بعكس ما يجاهرون به.

يصر أبو سليمان ومن يقف خلفه على التمسك بقراره، بالرغم من تواصل احتجاجات الفلسطينيين في لبنان وخارجه، وبالرغم من تضامن قوى وأحزاب سياسية فاعلة في المشهد اللبناني، عدى عن مواقف اللبنانيين المتضامنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

اذا كانت القوات اللبنانية صاحبة التاريخ الاسود ليس على الفلسطينيين وحسب، وإنما أيضا على اللبنانيين، ستواصل دورها في المؤامرة على الوجود الفلسطيني، فإن الجماهير الفلسطينية هي الأخرى لن تتوقف عن النضال السلمي لإفشال تلك المؤامرة.

ثمة متسع للاحتجاج السلمي، ولتوسيع دائرة التضامن الفعال، وثمة فرصة لمزيد من الحوار الهادئ من أجل التوصل إلى حلول تحافظ على قوانين وحقوق لبنان واستقراره، وبدون أن تجحف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين على أرضه، ولكن لكل كتاب أجل.

ثلاثمائة الف فلسطيني في لبنان ذاقوا الامرين من سياسات الحكومات المتعاقبة، التي لم تجرؤ على إلغاء قرار الجميل، لا يمكنهم ان يذوقوا مرارة الجوع والحرمان أو التهجير القسري مرة أخرى، او اهدار الكرامة الوطنية.

 ثمة درس بليغ يمكن التأكيد عليه من خلال هذه التجربة، وهي أن الفلسطيني ليس عليه ان يدفع ثمن أزمات الاخرين، تحت شعار عدم التدخل في الشئون الداخلية لأي بلد عربي، بينما تتدخل كل الدول العربية في الشؤون الفلسطينية الداخلية والخارجية.

لا بد أن تنتهي سياسة المجاملة الكاذبة لبعض العرب، الذين لا يتورعون عن نهش جسد الشعب والقضية الفلسطينية لحساب الوحش الامريكي الاسرائيلي.

الفلسطينيون في لبنان ليسوا ضعفاء وقد ظهرت قوتهم في وحدة كلمتهم وسلوكهم الحريص على لبنان وأهله، خصوصاً في ضوء التضامن الواسع من قبل اللبنانيين، لكنهم بحاجة الى دعم و مساندة الشعب الفلسطيني وفصائل العمل الوطني في كل مكان.

إن الانتصار على النوايا والأهداف الخبيثة التي تقف وراء قرار كميل أبو سليمان وقواته اللبنانية، ستنطوي على أهمية في سياق النضال الفلسطيني اللبناني المشترك لإفشال صفقة القرن التي تسعى من بين أهدافها لتقويض السلم الاهلي اللبناني ونشر الفوضى أسوة بما يقوم به الحلف الامريكي الاسرائيلي في عديد الدول العربية.