عادل الأسطة - النجاح الإخباري - لا أعرف إن كانت هناك دراسة أكاديمية تناول صاحبها فيها ظاهرة الروائيات الأكاديميات في أدبنا العربي.
ثمة أكاديميون عديدون غضوا الطرف عن الدراسة والبحث والتفتوا إلى كتابة الرواية، وثمة آخرون زاوجوا بين كتابة الرواية وكتابة الدراسات والبحوث العلمية.
يستطيع متابع المشهد الروائي العربي أن يأتي بأمثلة على أولئك وهؤلاء.
الروائي السوري هاني الراهب كان دارسا وباحثا وأستاذا جامعيا، وغدا يعرف روائيا أكثر منه دارسا وباحثا. ومثله في المشهد الروائي اللبناني الكاتب إلياس خوري.
وهناك المنظر النقدي الروائي الجزائري عبد الملك مرتاض. إنه يعرف ناقدا من خلال كتابه، الصادر عن سلسلة كتاب "عالم المعرفة"، "في نظرية الرواية". لقد أصدر مرتاض العديد من الروايات، ومثله الناقد المغربي حميد لحميداني. لقد كتب قبل بضعة أعوام روايته الأولى.
في المشهد الروائي الفلسطيني يمكن أن يشار إلى العديد من الأسماء. هناك جبرا إبراهيم جبرا وأفنان القاسم وأحمد حرب وإبراهيم العلم ومحمد عودة ومحمد أيوب وعزمي بشارة والأسماء عديدة.
إن تحول الناقد إلى كتابة الرواية يجعله يكتب الرواية بوعي نقدي، وهذا قد تكون له حسناته وقد تكون له مساوئه، وهو ما يحتاج إلى رصد وتدقيق وتمحيص. ولسوف ألفت نظر أحد طلاب الدكتوراه في جامعة النجاح الوطنية إلى الظاهرة.
لا أرمي هنا إلى دراسة الظاهرة دراسة مدقق ممحص راصد رصدا شموليا، ولا أرمي إلى التوقف أمام الروائيين الذكور.
مؤخرا، فازت بجائزة (مان بوكر العالمية) الروائية العمانية جوخة الحارثي المحاضرة في جامعة مسقط/ السلطان قابوس، وكانت درست الأدب العربي في الجامعات البريطانية.
ليست جوخة الحارثي أول أكاديمية عربية تكتب الرواية إلى جانب أبحاثها ودراساتها، فهناك من هن أسبق منها، وهنا يمكن الإشارة إلى الروائية المصرية المعروفة رضوى عاشور.
عرفت عاشور من خلال كتابها "الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أدب غسان كنفاني".
بعد إصدار هذا الكتاب اتجهت لكتابة الرواية وصارت تعرف روائية بالدرجة الأولى.
كتبت رضوى العديد من الروايات ولا أعرف لها العديد من كتب البحث والدراسة، وأكثر قراء الأدب العربي قرؤوا أعمالها الروائية وقلما قرؤوا دراساتها، وفي مكتبتي لها كتابان نقديان وست روايات على الأقل. ومن أعمالها المعروفة "ثلاثية غرناطة" و"قطعة من أوروبا" و"الطنطورية".
في أدبنا الفلسطيني، يمكن الإشارة إلى سحر خليفة التي حصلت على الدكتوراه في الأدب، وهي تعرف روائية ولا تعرف دارسة. لقد صدر لها ما يزيد على 12 رواية، ولم تنجز كتابا نقديا أو دراسة نقدية يجعلان منها باحثة مرموقة ودارسة لها باع. ظلت سحر خليفة تعرف روائية، ولم تغد أستاذة جامعية.
ما الذي لفت نظري فلسطينيا إلى الظاهرة؟
في جامعة النجاح الوطنية، ثمة أستاذة في قسم اللغة الانجليزية، تهتم بالرواية، لا قراءة وحسب، بل تأليفا وطباعة. وهذه الأستاذة هي وفاء أبو شميس Wafa Abushmais.
قبل أعوام أهدتني وفاء روايتها الأولى "من أجل عينيك الخضراوين" 2016، وهي رواية تنهل من البيئة التي عاشت فيها، وهذا لا يعني بالضرورة التطابق الكامل والتام بين بطلة الرواية وشخصيتها الأساسية وبين الكاتبة التي أدرجت اسمها على غلافها.
وفاء أبو شميس لاجئة فلسطينية عاشت تجربة اللجوء، وبطلتها كذلك. ثمة تشابه في التجربة، ولكن التفاصيل تختلف، فأنا أعرف الكاتبة جيدا، وعليه لا يمكن الزعم بأن الرواية سيرة ذاتية للكاتبة.
تكتب وفاء عن انتصار ابنة المخيم التي تدرس الطب وتقع في حب نبيل وهو مواطن من المدينة، ولا يكلل حبهما بنهاية سعيدة إذ ينخرطان في العمل العام.
ويمكن القول، إن الرواية سيرة روائية لمخيم، وهو بالتأكيد مخيم بلاطة الذي أقام فيه لاجئون من يافا، فالمدينة هذه - يافا - تسترجع من خلال ذاكرة أبنائها.
يمكن إلقاء نظرة على عناوين الرواية الثانوية لأخذ فكرة عن الرواية ذات البناء الروائي الكلاسيكي. وكل عنوان يلخص تقريبا ما كتب تحته، ولنر العناوين:
2000 نيسان - مخيم اللاجئين - ذكريات الطفولة - انتصار: الطبيبة - مخيم الخيام بعد 1948 - انتصار: الإرادة - اللقاء الأول في معرض التراث - السيد نبيل رجل المواقف والمفاجآت - الست خيرية صاحبة العروض - نبيل وانتصار في بريطانيا - في بيت الست خيرية - الانتفاضة الأولى: انتفاضة الحجر- انتفاضة الأقصى: الانتفاضة الثانية - ذات العينين الخضراوين - ذكريات الطفولة في المخيم - ذكريات المدرسة (المرحلة الابتدائية) - الأوضاع الصحية في المخيم - خدمات وكالة الغوث  (الأونروا) - ذكريات المدرسة (المرحلة الإعدادية) - ذكريات المدرسة (المرحلة الثانوية) - فترة السبعينيات - حلم العودة - يافا عروس فلسطين وقلبها النابض - ذكريات ما قبل الهجرة وما بعدها - قبر محمد مشهور - انتصار ذكرى لقاء وذاكرة وطن .
بعد عامين من إصدار وفاء روايتها هذه عن دار الفارابي أصدرت روايتها الثانية "نيكولاس الشرق" ويختلف موضوعها عن موضوع الرواية الأولى، ولكنه موضوع غير بعيد عن عوالم عاشت فيها الكاتبة.
درست وفاء الأدب الانجليزي وسافرت إلى أميركا وأنفقت هناك عامين، وهكذا عرفت الغرب، ومن المؤكد أن ذهنها تفتح على ذلك العالم من خلال الأدب أولا ومن خلال التجربة ثانيا.
عالما الشرق والغرب وتنوعهما وانفتاحهما على بعضهما، من خلال تجارب فردية إنسانية، ولقاء الشرقي بغربيين في الغرب، والغربي بشرقيين في الغرب والشرق، يحضران في الرواية التي يعجب فيها نيكولاس الغربي بالفتاة النابلسية وينشد تأسيس علاقة زوجية معها، فقد راقت له حياة الشرقيين، وفشل زواجه من امرأة غربية.
ولم تنشر وفاء روايتيها الأخيرتين وإحداهما عن الحرب الأخيرة على غزة.
وتجربة وفاء تستحق أن يلتفت إليها، فقد نشرت روايتيها بعد مرور ما يربو على الثلاثين عاما من ممارستها مهنة التدريس؛ تدريس الأدب الانجليزي.
وسيلحظ قارئ أعمالها انعكاس دراستها على البناء الفني لأعمالها.
ترى ما هو سبب تحول الأكاديميين إلى عالم الرواية وعدم التفرغ الكلي لكتابة الدراسات والنقد الأدبي؟
أيعود السبب إلى أن النقد الأدبي لا يحقق انتشارا واسعا تحققه الرواية؟
أيعود السبب إلى أن ما يقرؤه الأكاديمي من أعمال روائية لا يروق له، لأنه لا يراعي أركان الرواية، فيحاول الناقد أن يقدم أعمالا روائية يعتقد أنها مكتملة ويجب أن تحتذى؟ علما بأن كثيرا من النقاد حين يكتبون الرواية تكون رواياتهم الأكثر ضعفا وبؤسا وإخفاقا؟