غزة - أسامة الكحلوت - النجاح الإخباري - أزاح الأسير المحرر أحمد خريس الغبار عن تفاصيل تهريب السلاح عبر سفينة "كارين إيه"، بعد الإفراج عنه قبل أسبوعين، بعد إعتقال دام (18) عامًا داخل سجون الاحتلال.

لا أحد يعلم تفاصيل العملية التي تمكَّنت دولة الاحتلال من إفشالها مطلع الانتفاضة الثانية، بعدم اقتحام رئيس حكومة الاحتلال الاسبق، المتطرف، أرئيل شارون المسجد الأقصى آنذاك، واشتعلت الانتفاضة حينها، فكان التوجَّه لتسليح المقاومة، والانطلاق في خطة جديدة لمواجهة غطرسة الإحتلال.

أحمد من مواليد الأردن، استقبله سكان قطاع غزة كافة قبل أسبوعين بعد الإفراج عنه، خاصة وأنَّ أسرته وعائلته وأبناءه جميعاً ما زالوا في الأردن.

وفي بداية الحكاية، قال أحمد إنَّ الرئيس الراحل ياسر عرفات كان على موعد مع افتتاح حقل الغاز على سواحل قطاع غزَّة، وبعد الانتهاء وصله الخبر في المنتدى غرب مدينة غزة، بأنَّ شارون يريد أن يبني حجر الهيكل في القدس.

وأشار إلى أنَّ الرئيس كان يعرف حينها أنَّ هذا الأمر سيشعل المنطقة، خاصة وأنَّ الأمر يمسّ أقدس المقدسات، وسيهب الجميع لنجدتها، وكان لا بد من أن يكون هناك آلية للدفاع عن الشعب الفلسطيني من توحش الاحتلال الإسرائيلي.

وأوضح أحمد، أنَّه تمَّ إختيار مجموعة من الأشخاص من قادة البحرية الفلسطينية، للعمل على تسليح الشعب في قطاع غزَّة، انطلاقاً من أنَّ المقاومة حق مشروع كفلته القوانين الدولية.

وكشف أنه تمَّ تنفيذ الأمر، والاتفاق بطرق معروفة للجميع، وتوجَّهت المجموعة لدول عربية لمساعدة الشعب الفلسطيني، وعن طريق مجموعة أخرى كانت تنسِّق مع قيادات تؤمن بأنَّه من حق الشعب الفلسطيني التسلُّح بغض النظر عن أصلوها أو إنتمائها الديني.

وبين أنه تمَّ تجهيز السلاح على قارب بالقرب من إيران، وتوجَّهت المجموعة إلى نقطة الالتقاء في شهر رمضان بتاريخ (18/12/2001)، وتمَّ تحميل السلاح على متن سفينة كارين إيه، وكان التوجُّه بعدها إلى منطقة محدَّدة لدى القيادة الفلسطينية.

ولفت أحمد إلى أنَّ الإحتلال وعن طريق كتب، قال إنَّه رصدوا مكالمة لقيادات تتحدَّث عن تهريب السلاح، ومن هنا كانت المتابعة على لسانهم، في كتاب صدر بعنوان " الدراما في البحر الأحمر".

وأوضح أنَّ الإحتلال يدعي أنَّهم "أهل التكنولوجيا"، ولكن لم يستطيعوا العثور على السفينة إلا بعد الاستعانة بأميركا، التي سخَّرت كلَّ أقمارها الصناعية في البحر الأحمر لترصد السفينة، وبعد محاولات مستميتة تمَّ رصد السفينة في البحر الأحمر في اليمن على مشارف مدينة الحديدة.

كان القرار بالاستيلاء عليها بتاريخ (1/1/2002)، وتمَّ ذلك بإنزال بحري وقوات خاصة في عملية قرصنة واضحة، لأنَّ السفينة تبعد عن سواحل فلسطين  حوالي (750) ميلًا بحريًّا، وتبعد ثلاث دول عن فلسطين، وبذلك تكون في المياه الإقليمية، ولا يحق لقوات الاحتلال إعتقالها، ولكن كلَّ ذلك كان من أجل توريط السلطة الفلسطينية في قضية اعتبرتها ضخمة جدًا "حسب قوله".

وأضاف: "تمَّ اقتيادنا إلى ميناء إيلات، وهناك تمَّ تسليمنا إلى مخابرات الاحتلال الإسرائيلية التي قامت بنقلنا إلى سجن عسقلان، وهناك كان التحقيق معنا قاسٍ جداً، وكانت الأجواء مثلجة ومن أبرد اللحظات في البرد الذي لم يسبق له مثيل، في تحقيق كنَّا فيه عراة الصدر، وتم تغطية أعيننا بنظارات سوداء رائحتها كريهة جداً، لا نعرف من خلالها المكان ولا الزمان".

وبيَّن أحمد أنَّ التحقيق معهم كان بشكل مباشر لمعرفة الدول التي تورَّطت في المساعدة بالسلاح، وعلى لسان الأسير عمر عكاوي قبطان السفينة وهو داخل سجون الاحتلال حتى الآن ومحكوم (25) عامًا، قال على تلفزيون الاحتلال الإسرائيلي بأنَّه من حق الشعب الفلسطيني التسلح والدفاع عن نفسه، وهو حق أيدته الأمم المتحدة.

وأشار إلى أنَّ التحقيق كان يساوم للاعتراف بأنَّ الرئيس ياسر عرفات هو الذي أمر بالتسليح وتزويد هذه السفينة وإعدادها لوجستياً، من أجل أن يوقعوا بين السلطة وأمريكا في مأزق سياسيّ وعسكريّ، خاصة وأنَّه في تلك الفترة كان هناك تقارب بين السلطة وأمريكا، وأصبح المجتمع الأمريكي يعرف القضية الفلسطينية بعيداً عن اللوبي اليهوي الذي كان يظهر الفلسطينيين كـ"إرهابيين".

وبيَّن أنَّ قضية سفينة " كارين إيه" ما زالت عالقة، وما زالت معلومات كثيرة مخفية، ولا يستطيع الإنسان أن يتحدَّث بأيّ شئ، لأنَّ الاحتلال أبتكر آلية جديدة لابتزاز السلطة عن طريق جميعات "إسرائيلية" تقوم برفع قضايا على الشعب الفلسطيني والسلطة ضمن طريقة إبتزاز مالي.

وذكر أحمد أنَّه خلال عملية التحقيق معهم شاهد وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي آنذاك شاؤول موفاز، ورئيس وزراء حكومة الاحتلال، آرئيل شارون، حيث إنَّهم كانوا مشرفين بشكل مباشر على تنفيذ العملية، لأنَّها أكبر عملية تهريب سلاح في تاريخ دولة الاحتلال.

ومارس عناصر مخابرات الاحتلال الإسرائيلي تعذيب خاص على أحمد؛ لأنَّ أهله في الأردن، فقايضوه بالسماح لأهله بزيارته مقابل الاعتراف، وهذا ما رفضه أحمد.

وقال أحمد، إنَّ الأسلحة كانت في جزيرة قرب إيران، على سفينة تتبع لحزب الله، وكانت الأسلحة موجودة في براميل أشبه بالغواصات، وكان عددها (80) غواصة، كانت تحمل كمية كبيرة من الأسلحة والتجهيزات التي تتناسب مع طبيعة الدفاع عن النفس وليس الهجوم.

ويتذكَّر أحمد جيّدًا، عندما قال له المحقِّق "الإسرائيلي"، أنَّه عثر على ألعاب في شنطته الخاصة، فسأله إذا كان سيهديها لإبنه بعد الإفراج عنه، فرد عليه أحمد: "نعم سأهديها لأبني ياسر ومحمد" اللذين كانا طفلين في ذلك الوقت، فردَّ عليه المحقق: "عندما تخرج من السجن ستحضر لهم شفرة حلاقة"، ومن هنا عرف أحمد أنَّ فترة سجنه ستكون طويلة.

وأكَّد أحمد أنَّ الأحكام التي يحصل عليها الأسرى الفلسطينيون تكون جميعها بتوصية من "الشاباك" الذي يحدِّد مدَّة سجن كلّ أسير فلسطيني، وأنَّ محاكم الاحتلال الإسرائيلية هي عبارة عن ديكور مسرح.

ومما زاد أحمد ألمًا، أنَّه حرم من زيارات أهله على مدار سنوات سجنه الـ (18) عامًا، ولا يعرف شيئاً عن أسرته وأبنائه، وسيعمل في الوقت القريب على مغادرة قطاع غزَّة، متوجِّهًا إلى الاردن موطنه ومسقط رأسه، ليحتضن أسرته وأبناءه الذين لا يعرف عنهم شيئاً ولم يشاهدهم من قبل.