مصطفى الدحدوح - النجاح الإخباري - بات الصمت سيد الموقف بين أوساط الأطباء في قطاع غزة منذ انطلاق مسيرات العودة في 30 آذار/ مارس الماضي. فمنذ الوهلة الأولى لاستقبالهم الإصابات التي جعلتهم يقفون أمام محط اختبار محتم يحاكي مصير من يتعرض للإصابة في رصاص الفراشة المحرم دولياً الذي يستخدمه جنود الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين على طوال الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة.

وضع الأطباء وعلى وجه الخصوص أخصائي جراحة العظام والأوردة في موقف متجسد في كلمة "أكون أو لا أكون"، هكذا يسرد الطبيب عدنان البرش استشاري جراحة العظام والمفاصل في مجمع الشفاء الطبي في غزة لموقع "النجاح الإخباري" تفاصيل الإصابات التي تم استقبالها داخل مجمع الشفاء خلال مسيرات العودة، معتبرا بأن ما يزيد عن 90% من الإصابات وضعت الطواقم الطبية أمام صدمة حقيقية وذلك نتاج التغير الهمجي في النهج الإسرائيلي في قمع المسيرات السلمية الفلسطينية.

وأوضح الطبيب البرش أن جملة الإصابات تعكس الطموح والرؤية الإسرائيلية في خلق جيل فلسطيني معاق خلقيا في غزة، لتسجل الإصابات في الأطراف السفلية أعلى نسبة بين الإصابات، والأخطر في عملية استهداف السفلية قيام القناصة في استهداف الكاحل والركبة تاركا إعاقة دائمة على المريض مهما كان علاجه.

وتابع.. أن الطواقم الطبية في غزة اعتادت بشكل كبير على الإصابات وأساليب القوات الإسرائيلية ولكن الغريب في الأمر أن مدخل الرصاصة يكون طبيعياً، فيما مخرجها يتخلق تهتكاً في القدم في مساحة تزيد عن 20سنميتر ، مما يجعل الإصابة أكثر خطورة جراء تفتت وتهتك العظام والعضلات والشرايين والأوردة مما يشكل عبء كبير في العلاج.

ولفت إلى أن 90% من نسبة حالات البتر من الإصابات في الأطراف السفلية والأطراف العلوية شكلت معدل طبي يشير نحو البتر الأولي، ولكن حرصا على المحافظة على عدم بتر الأطراف والحفاظ عليها حتى وان لم تقوم بكافة وظائفها الطبيعية بشكل سليم،وذلك يستغرق وقت وجهد وتكاليف كبيرة، والاهم بان المصاب يحدث تغير في طبيعة حياته بعد إصابته، وتصبح الآلام متلازمة معه.

ونوه على أن الطواقم الطبية في القطاع لم تكن معتادة على مثل هذه الإصابات، حيث لم تجد الطواقم الطبية في كافة المستشفيات المتواجدة القطاع أي طلق ناري متكامل، وكانت جميعها عبارة عن شظايا منتشرة داخل الجسم، ومنها تم العثور عليها ولكن المشكلة الأكبر بقاء شظايا متناهية الصغر داخل الجسد.

وكشف بأن الطواقم الطبية تمكنت من التوصل لطبيعة الرصاص المتفجر المستخدم، والمتعارف عليه باسم رصاص الفراشة أو الانشطاري المحرمة دوليا، والتي بمجرد دخولها جسم الإنسان تقوم في الالتفاف نحو محورها بسرعة عالية جداً مما تساعد على اتساع مكان الإصابة وتهتك الجسم المصاب لتحدث انفجار فيما بعد مما يجعل من الإصابة أكثر خطورة، وفقد معظم المصابون ما يزيد عن 7 إلى 10 سنتيمتر من العظام جاعلاً القدم في حاجة إلى عمليات ترقيع للشرايين والعظام والجلد واللحم ليخضع المريض لفترة علاجية لا تقل عن عام ونصف.

ولفت بان جملة الإصابات تترك آثار سواء على المدى القريب متمثلة انعدام وظائف الركبة أو الكاحل مما يجعل من المصاب يتعكز على قدمه والأخطر بأن تحدث مضاعفات مع مرور الزمن بحدوث التهابات أو أمراض خبيثة لكون الإصابات الحالية تصف بالجرح القذر تواجد بداخله أجسام ومواد غير صديقة لجسم الإنسان.

وأشار الطبيب البرش على أنه مرت عليه إصابات مركبة وخطيرة، وأكثر ما لفت انتباهه أمران، الأول أن الرصاصة أحياناً تصيب القدمين معاً، وفي بعض الحالات تخرج من الأولى وتصيب الثانية، وتخرج منها، أما الملاحظة الثانية فإن الرصاصة الواحدة قد تصيب أكثر من شخص في الوقت نفسه.

وبحسب دائرة هندسة المتفجرات في قطاع غزة، فإن الرصاص المتفجر الذي تستخدمه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المتظاهرين، منذ الثلاثين من آذار الماضي، ينقسم إلى قسمين، أحدهما عيارات صغيرة يطلق من بنادق خفيفة، لكن النوع الثاني الذي يطلق من بنادق قنص وعياراته ثقيلة يكون أشد خطورة، ويتسبب في تهتك الأعضاء جراء نشر شظايا في الجسم، فالرصاص الثقيل مصمم للإصابة من مسافات بعيدة، لكن في غزة يصاب به الأشخاص من بعد عشرات الأمتار، فيحدث أضرار مركبة ومضاعفة.

وبحسب آخر إحصائية صادرة عن وحدة نظم المعلومات الصحية في وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، بأن عدد الإصابات بلغ ما يزيد عن 17 ألف إصابة لتسجل الإصابات في الأطراف السفلية العدد الأكبر من بين الإصابات لتبلغ 4546 مصاب بمعدل 50% من مجمل الإصابات وكما بلغ عدد الإصابات في الأطراف العلوية 1148 مصاب بمعدل 13% من مجمل الإصابات.

وأوضحت إحصائية الدائرة أن حالات البتر التي سجلت 61 حالة بتر للأطراف السفلية وتعرضت 6 حالات لبتر في أصابع اليد وسجلت حالتين بتر في الأطراف العلوية، مشكلة فئة الشبان النسبة الأعلى من بين حالات البتر، علاوة على عشرات الشهداء وآلاف الجرحى.

واشتكى عدد من المواطنين الذين تم مقابلتهم داخل قسم الجراحة في مجمع الشفا من آلام شديدة في محيط الإصابة بشكل كبير، ومتأمل بعضهم بان يتمكن الأطباء في معالجة قدمهم بعد فقدهم أجزاء من العظام بشكل كبير.

ورغم أن هذا السلاح محرم دولياً إلا أن إسرائيل التي تمارس ما يحلو لها من انتهاكات بحق الفلسطينيين لازالت طليقة عن المحاكمات الدولية على جرائمها وانتهاكاتها للقوانين والاتفاقات والمواثيق الدولية.