د. سائد الكوني - النجاح الإخباري - "أجواء شهر الخير في نابلس لها طابع مميز.. لا تجده في أي من مدن العالم"، هكذا يحدثك أهل المدينة. وبالفعل، يلمس الزائرون تميز أجوائها الرمضانية؛ خاصة اكتظاظ أسواقها القديمة قُبيل الإفطار للتبضع، وبعده، للترفيه والتواصل فيما يسمى بـ "السوق نازل" رغم منغصات الاحتلال. أجواء قد لا يعرف قيمتها إلا من افتقدها ممن غادروا المدينة، وكذلك من غير أهلها ممن سكنها بغرض الدراسة أو العمل.

يلفت الإنتباه في تلك الأجواء الرمضانية التي تسود نابلس، كما هو حال غيرها من المدن الفلسطينية التي تشتهر بأسواقها القديمة، ما يمكن للمرء أن يسمع من أحاديث يتداولها الناس تتعلق بالشأن العام على هامش تسوقهم أو جلساتهم. وبالمختصر، يمكن لمن يُعنى برسم السياسات والإستيراتجيات العامة أن يتلمس القضايا التي تشغل الشارع ونبضه الحقيقي تجاهها من خلال مثل هذه الوقفات القصيرة والمحطات العفوية.

ما تداوله العامة في الأونة الأخيرة من قضايا بدا متبايناً عن ما تناولته وسائل إعلامية نقلاً كما ذكرت عن مصادر خاصة بها لم تُصرح عنها أو عن مواقع عبرية لها حساباتها المعروفة. ففي حين لوحظ إنغماس المواطنين في سعيهم لتوفير قوت يومهم وإدارة شؤونهم الحياتية الأخرى متحدّين سياسات وإجراءات الاحتلال القمعية والتهجيرية؛ إنشغل آخرون بتحليلاتهم الإخبارية وتكهناتهم المتعلقة بإنعكاسات الحالة الصحية للرئيس محمود عباس على الساحة السياسية الفلسطينية الداخلية، بشكلٍ لم يخدم الإهتمام بقضايانا الوطنية ولا هموم الشارع اليومية، بل عمل على إثارة حالة غير مبررة من الهلع على صحة الرئيس وتبعياتها، حيث لم يرق لهؤلاء على ما يبدو إطمئنان الشارع على صحة سيادته وتفهمه لمتطلباتها العلاجية في ظل توفر الرعاية الصحية الملائمة، وفي نفس الوقت ثقته بقدرة مؤسساتنا الرسمية على التعامل مع أي طارئ.

حالة إطمئنان الشارع للوضع الداخلي تعود لاجتماعات الأطر القيادية الهامة التي نجحت القيادة وعلى رأسها الرئيس أبو مازن في عقدها مؤخراً، برغم التحديات والمعيقات التي برزت في طريق إنعقادها، وما نجم عنها من مقررات أعادت تشكيل وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي بما يدحض شائعات أبواق الشر وحجج المروجين لحالة القلق على النظام السياسي الفلسطيني.

في الفترة ما بين 29 نوفمبر/ تشرين الثاني و4 ديسمبر/كانون الأول من العام 2016، عقدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني-"فتح" مؤتمرها السابع، الذي أفضى لظهور قيادات جديدة وترتيب البيت الفتحاوي في خطوة اعتبرت هامة لخوض غمار إعادة ترتيب الأطر القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تشكل المرجعية القانونية والسياسية للسلطة الوطنية الفلسطينية، حيث تشكل "فتح" مكوناً رئيسياً ومؤثراً لكل منهما.

وفي سعيها لقطع الطريق على وجود بدائل تتساوق مع متطلبات تنفيذ "صفقة القرن" التي رفضتها القيادة الفلسطينية جملةً وتفصيلاً، نجحت الأخيرة في عقد المجلس المركزي الفلسطيني في يومي 14 و15 كانون الثاني/ يناير 2018، وأفرز قرارات سياسية حاسمة حددت ملامح الوضع السياسي الفلسطيني في المرحلة المقبلة؛ مرحلة المواجهة والتصدي لـ"صفقة القرن" ومن يقف وراءها. تبع ذلك انعقاد الجلسة الـ 23 للمجلس الوطني الفلسطيني في الفترة ما بين 30 نيسان/ أبريل وحتى 4 أيار/مايو 2018، حيث كان أبرز مخرجاتها التوافق على لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وضخ دماء وقيادات جديدة في المجلسين الوطني والمركزي التابعيين لها، وجاري العمل على تجديد اللجان الدائمة والمرجعيات والأطر والدوائر الأخرى فيها.

وتباعاً على من يبث ويتداول الشائعات ويهول ويخوف على سلامة واستقرار النظام السياسي الفلسطيني في حال وفاة الرئيس -لا قدر الله- أن يراجع فلسطينيته، خاصة وأن خيوط تلك التكهنات والتقولات تعود إلى صحافة المُحتل، وينبغي أن لا نكون نحن الفلسطينيون معولاً مسانداً لها ولأجنداتها التي باتت معروفة للمواطن البسيط قبل السياسي أو المُفكر المُحنك. إن النظام السياسي الفلسطيني اليوم أكثر قوة ومأسسةً منه قُبيل استشهاد الرئيس الخالد ياسر عرفات (أبو عمار)، وكما تمكنت المؤسسة الرسمية الفلسطينية آنذاك من تجاوز الضربة القوية برحيله بقدر كبير من الالتزام والمسؤولية وحافظت على المنجزات الوطنية وبنت وطورت عليها لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم من تجذرٍ لمؤسسات دولة فلسطين التي نفتخر ونعتز بها، سيظل الحال كذلك.

وأخيراً، وإذ يُهنئ الشارع الرمضاني الرئيس "أبو مازن" بخروجه سالماً معافىً من المستشفى، فإنه يسأل الله العلي القدير أن يحفظ شعبنا ومقدراته وإنجازاته من الفتن ما ظهر منها وما بطن.