محمد علي طه - النجاح الإخباري - يبدو لي أنّ اللّغات العربيّة والرّوسية والالمانيّة أغنى اللغات بالشّتائم، وأظنّ أنّ هذا يعود الى عراقة هذه اللّغات وحيويّتها، ولا شكّ أنّ الانسان العربيّ "يُبدع" شتائم متنوّعة وكثيرة لا يحتمل القلم والورق معظمها، ومن الطّريف أنّنا نستعمل بعضها للتّحبّب أو للتعجّب أو للمديح فعندما نصف فلانًا من النّاس بـ "عكروت" أو "ابن حرام" أو "أخو......" فيحتمل الكلام معنيين متناقضين، ايجابًا وسلبًا وقد عالجت قبل سنوات في قصّتي "الشّتيمة" فنّ الرّدح والشّتم في مجتمعنا ودور الشّتيمة في ظاهرة العنف التي غزته.

قد تكون اللّغة العبريّة أفقر اللّغات في الشّتائم لسُباتها الذّي قارب الموت عدّة قرون فلا غرابة أن تشاتم المهاجرون اليهود الذّين قدموا الى بلادنا من أوروبا في النّصف الأوّل من القرن الماضي بالشّتائم الألمانيّة والرّوسية، وبقي الحال كذلك الى أن غزت الشتّائم العربيّة اللغة العبريّة وسيطرت على هذا الباب في قاموسها وصار الاسرائيليّون يتشاتمون بالعربيّة ويحرّفون بعض الشّتائم أو يعبرنونها، وربّما يضحكنا أو يزيدنا اشمئزازًا استعمالهم الفظّ في حياتهم السّياسيّة والاعلاميّة لبعض الشّتائم البذيئة جدًّا التي لا تحتملها الاذن العربيّة.

ألّف الكاتب الاسرائيليّ دان بن أموتس قاموسًا للكلمات العربيّة الشّائعة في المجتمع الاسرائيليّ وذكر فيه تعابير شوارعية، مؤكّدًا أنّ هذه التعابير البذيئة للمديح فقط فإذا قال المرء أحد هذه التعابير فهذا من باب المديح والاعجاب، ولله في خلقه شؤون!!

ودان بن أموتس ( 1923- 1989) كاتب اسرائيليّ معروف رثى نفسه بقصيدة مؤثّرة مثلما فعل الشّاعر العربيّ القديم مالك بن الرّيب ولكنّه جمع أصدقاءه ومعارفه في حفل وداع صاخب قبل مماته.

سمعت مساء الأحد الرّابع عشر من كانون الثاني 2018 الخطّاب الشّامل القويّ للرّئيس أبي مازن فشدّني في مواقف كثيرة، وفاجأني في بعضها، وأثار عندي تساؤلات عديدة، وحينما قال للسّيّدين ترامب ونتنياهو متهكّمًا أو مستغربًا: "يخرب بيتك" قلت مباشرة لزوجتي التي كانت تجلس بجواري تتابع خطاب الرّئيس: وجد الاعلام الاسرائيليّ ضالّته للتّحريض والتّشويه.

وهذا ما كان، فقد نسوا حديث الرّئيس عن السّلام وحلّ الدّولتين ومحاربة الإرهاب والمقاومة الشّعبيّة السّلميّة وغير ذلك وتمسّكوا بهذا التّعبير حتّى أنّهم سموا الخطاب "خطاب يخرب بيتك" وذلك لأنّ المستشرقين الاسرائيليّين و"العربستيم" ترجموا منذ سنوات هذه الشّتيمة ترجمة حرفيّة واعتبروها أسوأ شتيمة وتعني دمار البيت وخرابه وانقراض أهله.

وأسمحوا لي أن أتساءل ماذا تعني "يخرب بيتك" اذا قلناها بعد قراءتنا قصيدة "الغراب" لألن بو أو مشاهدة "هاملت" لشكسبير أو قراءة "أولاد حارتنا" لمحفوظ أو سماعنا أغنيّة لفيروز أو "سوّاح" لعبد الحليم حافظ ؟

وماذا تعني لو قلناها بعد تصريح أبي بلطة عن مقاطعة أهل وادي عارة اقتصاديًّا أو بعد مقولة "العرب يهرعون الى صناديق الاقتراع"؟

"يخرب بيت" هكذا اعلام، ما أقواه، وما أذكاه، وما أدناه!!

وفي هذه الجملة الأخيرة تكمن معاني "يخرب بيتك".